إذا فإغواء الله تعالى لا يعني إلّا تخييبه سبحانه لمستحقيه من رحمته ، لكفرهم وذهابهم عن أمره : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) (١٩ : ٥٩) أي خيبة من الرحمة ، وارتكاسا في النقمة.
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ)(٣٥).
أتراها آية معترضة لما افتري على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ والدور كله في هذه الآيات لنوح (عليه السلام)! أم هي نكاية على قوم نوح مستعرضة لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟.
نقول : إنها تعليقة على فرية المفترين منذ نوح إلى خاتم النبيين ، هي تحليقة على هذه الفرية الجاهلة على الرسل أنهم مفترون على الله (إِنِ افْتَرَيْتُهُ) على ربي رغم بينة الرسالة (فَعَلَيَّ إِجْرامِي) وليس عليكم ، فأنتم معذورون في إيمانكم بحجة الرسالة البينة أمام الله ، ثم (فَعَلَيَّ إِجْرامِي) إن افتريته ، أمام الله ، حيث يأخذني بجرمي هنا وفي الأخرى ، فهنا : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) (٦٩ : ٤٥) حفاظا على شرعته من الفرية ، فحين لا يأخذني هنا ، كان ذلك برهانا آخر لا مرد له على صدقي ، حاضرا أمامكم حاذرا إياكم ، إضافة إلى سائر البراهين ـ مهما غاب عنكم أن يأخذني الله في الأخرى ـ : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٤٢ :) ٢٤) ـ (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٤٦ : ٨) ـ (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) (٣٢ : ٣).
ذلك ، فحين تثبت الرسالة الربانية بحججها فلا عاذرة لأحد في تكذيبها أو تركها ، إلّا أن يفتري على الله أنه جاهل بهذه الدعوى ، أو