لذلك لم يؤنبه ربه لا من قبل ولا من بعد ، اللهم إلّا بخطابه الحنون المنون :
(قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ)(٤٨).
هنا السلام والبركات ينزل على هؤلاء ، وترى كما أن نوحا والذين آمنوا معه يستحقونها ، فهل ـ كذلك ـ تستحقها (أُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ)؟ كلّا! لمكان الاستئناف في «أمم» رفعا ، فلا سلام عليهم ولا بركات ولا هم من أهل النجاة ، ولم يكونوا وقتئذ معهم في الفلك ـ إلّا في الأصلاب والأرحام ـ حتى تشملهم سلام وبركات ، أم هم معهم من أهل النجاة ، بل هم الذين يقول الله عنهم : (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) (٣٦ : ٤١) و (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) (٦٩ : ١١).
ثم (أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) تشمل إلى المؤمنين معه أمما مؤمنة من أنسالهم ، فلم يقل «أمم معك» ثم وهم أمة واحدة مؤمنة معه ، بل (أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) لتشمل معهم أمما من أنسالهم مؤمنة ، ف «من» بالنسبة للأمة المؤمنة الحاضرة في الفلك بيانية ، وهي لأنسال مؤمنة منهم تبعيضية ، فلو كانت تبعيضية فقط لم تصلح لشمولهم أنفسهم فإنهم كلهم «أمة معك» لا (أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) ولو كانت بيانية فقط لم تصلح لشمول أنسالهم المؤمنة فقط حيث الأكثرية الساحقة منهم أمم كافرة.
ذلك ، ولكن الذين كانوا معه في الفلك لم يكونوا أمما حتى تشملهم ممن معك بيانية ، والصحيح أو الأصح أنها بيانية تبين «من معه» على مدار الزمن ، فلا تعني «معه» معية زمانية ومكانية حتى تختص بهؤلاء الخصوص ، بل هي معية رسالية تعم كافة الرساليين مرسلين ومرسلا إليهم المؤمنين ، ثم (أُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ) ليسوا ممن معك ، فهم غيرهم على مدار الزمن ، ف «أمم» هنا مبتدأ علّ ظرفه «هناك» وخبره (سَنُمَتِّعُهُمْ ..).
إذا ف (بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ) هما على كل مؤمني التاريخ الرسالي منذ