التي كانوا يسكنونها كانت هي المعمورة ووقتذاك ، وعلّها رقعة صغيرة منها شملتها دعوة نوح (عليه السلام) بنفسه أم بحملة رسالته ، فقد عمّ الطوفان وطمّ هذه الرقعة بسائر الأرض ، وقضي على كافة المتخلفين عن رسالته في الأرض كلها.
ذلك وقد يكفينا هذا التخمين الأمين لتصديق ذلك الحدث الكوني الهائل الذي جاءنا نبأه من مصدر الوحي الوثيق عن ذلك العهد السحيق الذي لا يعرف عنه التاريخ شيئا حيث يلحقه ولا يقارنه أو يسبقه حتى يخبرنا عنه ، وهنا وفي سواه أصدق تاريخ لمصدقي الوحي هو الوحي وسائر التاريخ أيا كان ومن أي كان وأيان ليس يعتمد عليه كوثيقة قطعية.
وقد يتأيد شمول هذا الطوفان الأرض كلها بما يلي :
* لو لم يشمل الأرض كلها فما هو الداعي أن يحمل فيها من كلّ زوجين اثنين ، إذ كانت تكفيه حيوان سائر الأرض لو أنها غير مشمولة للطوفان.
«الأرض» في (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) دليل باهر لا مرد له على أن المعني منها هو كلّ الأرض ، حيث الأرض تعنيها كلها إلّا إذا قامت قرينة على تحديدها ، وهنا «ديارا» قرينة على إطلاقها ، ثم «لن يلدوا» ليس يختص بكفار خصوص في أرض خاص.
* وجود أصداف وحيوانات بحرية حجرية في قلل الجبال هو من الدلائل الكونية على أن الطوفان طم الأرض بقللها كلها.
٣ هل لسفينة نوح (عليه السلام) من آثار كما يشير إليها القرآن (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ. لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) (٦٩ : ١٢) فقد ذكرنا على ضوء آية الحاقة هذه (١) ما تحقق أخيرا من لوح خشبي من سفينته عليه أسماء الخمسة الطاهرة (عليهم السلام) باللغة الآرامية وهي لغة نوح (ع) ومن عجيب أمره أن هذه
__________________
(١) الفرقان ٢٩ : ٩٠ ـ ٩٣ فراجع.