تامة ولا ناقصة لأحدهما ، بل هو كشف قاطع عن حصول كلّ بسببه الخاص ، وليس عدم تخلّفه عن علمه تعالى إلّا لعدم تخلفه عن سببه المختار لصاحب السعادة والشقاء ، فلو أنه اختار غير ما اختار لكان في علم الله غير ما اختار ، فالعلم بعمل مّا لا يستوجب بطلان الإختيار ، فإنما هو علم كاشف عما سيحصل أم حصل ، فكما أن العلم بما حصل لا يجعله مسيّرا ، كذلك العلم بما يحصل ، إن مسيّرا فمسيّر وإن مخيّرا فمخيّر ، فإنما الإرادة هي المسيّرة ، دون العلم بما حصل أو سيحصل ، إذا ف «كل ميسر لما خلق له» ـ وكما في حديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وليس مسيّرا (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُر)(١).
__________________
(١) فلا مجال هنا لتقوّل إمام المشككين في تفسيره ١٨ : ٦١ بقوله : اعلم أنه تعالى حكم الآن على بعض أهل القيامة بأنه سعيد وعلى بعضهم بأنه شقي ومن حكم الله عليه بحكم وعلم منه ذلك الأمر امتنع كونه بخلافه والألزم أن يصير خبر الله تعالى كذبا وعلمه جهلا وذلك محال ، فثبت أن السعيد لا ينقلب شقيا وأن الشقي لا ينقلب سعيدا ـ ثم ينقل رواية عمر ويقول ـ : قلنا : الدليل القاطع لا يدفع بهذه الروايات وأيضا فلا نزاع أنه إنما شقي بعمله وإنما سعد بعمله ولكن لما كان ذلك العمل حاصلا بقضاء الله وقدره كان الذين ذكرناه باقيا.
أقول : هذا دليل خاطئ لا قاطع ، حيث أخبر الله بعلمه بما سيكون ولم يحكم قضاء مبرما بشقاء هنا وسعادة ، فقد بدل الأخبار بالحكم ، كما بدله عما يحصل يوم القيامة بما حصل يوم الدنيا ، ولو أنه كان حكما فليس يعني إلا الحكم بالشقاء والسعادة بما عملها أهلوها يوم الدنيا ميسرين لا مسيرين. فالله يعلم أن فريقا يشقون وفريقا يسعدون كل بما يسّره فاختاره هو من شقاء وسعادة ، ثم يحكم كما يعلم بشقاء أو سعادة يوم القيامة ، فأين الجبر إذا.
وليست صمتية الشقاء والسعادة بما علم الله منهما فحكم به ليوم القيامة ، إنما هي بما يختار أهلوها إذا «كل ميسر لما خلق الله».
أترى العمل الميسّر كما المسيّر أليسا مما يعلمه الله ويحكم يخلفياته؟ فمجرد العلم بعمل ما والحكم بنتيجته لا يستلزم كونه مسيرا ، فالعلم إنما كشف عن الواقع الحاصل بسببه وليس هو سببا لحصوله ، وقد حصل هذا الحوار بين عمر الخيام ، والخواجة نصير الدين الطوسي حيث اعترض عمر أن الله يعلم أني أشرب الخمر ، فأنا إذا مسير في شربها إذ لو لم أشربها لكان علمه تعالى جهلا ، فأجابه الطوسي بأن كون العلم الأزلي علة للعصيان، ـ