وأما لزوم «سعدوا» فكيف يصاغ منه مجهول ، فهذه جهالة من القول ، فإن القرآن هو أصل الأدب ومنتهى الإرب دون سائر اللغة الأدب كمنتهى الإرب وما أشبه ، فكما أن «رجع» مستعمل متعديا ك «رجعه الله» كما يستعمل لازما (رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ) كذلك «سعد» يستعمل لازما ومتعديا ، وكما يصاغ من الثاني «مسعود»!
... وهكذا يرتسم لنا يوم مجموع له الناس ويوم مشهود أنه «يوم لا تكلم نفس إلا بإذنه» فالصمت الهائل شامل إلّا لمن أذن له ، ثم تبدأ عملية التوزيع (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) بما شقوا يوم الدنيا أم سعدوا ، فتشهد الذين شقوا في النار ـ ولات حين فرار ـ مكروبين مغلوبين بين زفيرها وشهيقها حرا وضيقا وكتمة ، حيث الزفير ما يجتمع في الصدر من النفس عند البطاء ـ الشديد ـ فينقطع النفس والشهيق هو الذي يظهر عند اشتداد الكربة والحزن وربما حصل به صعقة ، فلهم من زفيرها زفرة ، ومن شهيقها شهقة وصعقة ، ونشهد (الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ) لهم فيها عطاء غير مجذوذ ، و (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) تعني لهم فيما عنت طليق المشيئة الربانية التي لا تحدّ بأي حد ، حيث لا تتقيد بأية سنة ، إذ السنة ليست هي نفسها إلّا بالمشيئة الربانية ، ثم وتعني لأهل النار واقعها في زاويتين أخريتين من مثلثها هما إخراج بعض منهم قبل خراب السماوات والأرض أو قدره ، أم إحراج بعض آخرين لخلود أكثر من أمدهما.
ذلك ، ومن مواصفات الجنة والنار ، موافقات لأهل الجنة والنار جزاء وفاقا وعطاء غير مجذوذ حسابا ، ما يروى عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) من قوله :
«فأما أهل الطاعة فأثابهم الله بجواره ، وخلدهم في داره حيث لا يظعن النزّال ، ولا تتغير بهم الحال ولا تنوبهم الأفزاع ، ولا تنالهم الأسقام ، ولا تعرض لهم الأخطار ، ولا تشخصهم الأسفار ـ
وأما اهل المعصية فأنزلهم شر دار ، وغلّ الأيدي إلى الأعناق ، وقرن النواصي بالأقدام ، وألبسهم سرابيل القطران ، ومقطّعات النيران ،