يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ) على وعثاء السفر وشقوة الجوع ولئامة أهلها «فأقامه» الخضر ، وطبعا لا يساعده موسى حيث السؤال الفادح : (قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) و «لو» هنا تلمح الى حالة من الجوع والنصب يرثى لها وتحيل اي عمل فضلا عن إقامة الجدار ، ف «لو شئت» عملا كمستحيل تحميلا على نفسك لاتخذت قبله عليه أجرا.
جدار يريد أن ينقض ، وكيف يريد الجدار ولا إرادة للجماد ، إلّا تصويرا لمقارفة الانتقاض ، حيث ظهرت فيه أماراته من ميل بعد ثبات واضطراب بعد انتصاب!
وترى ان الخضر استأذن صاحب الجدار فأقامه؟ و «كان (لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ) إنه اقامه بولاية شرعية ، ولكنه مجهول لدى موسى فيعترض «لو شئت ..». وترى (لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) بعد ما أقامه؟ وليس لغير الأجير أجر ، بل وعلّه عليه وزر تصرفا في مال الغير بدون إذنه! طبعا قبل ما أقامه عليه أن يستأذن أهله على اجر ، حيث الضرورة قائمة هناك على أخذ الأجر ، مما يفرض عرض الإنسان نفسه لعمل بأجر بقية على حياة وتداوما في تلك الرحلة الواجبة.
فحسب الظاهر ليس هذا الموقف موقف الترحم على هؤلاء اللئام ، فليرحم نفسه وصاحبه بأخذ الأجر ، فتركه خلاف العقل ولا يسمحه الشرع!.
(قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً)(٧٨).
فراق حسب الشرط (فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً) وقد تعلم منه مما علّمه رشدا ، وقد تبين الرشد في كليهما معلما ومتعلما بكل احترام دون اخترام.