وشكرا على العدّة ، و (بُكْرَةً وَعَشِيًّا) تعني في مجموعة ثلاثة ايام صباح مساء ، وقد يعني ذكرهما أنهما كانا أصلين لأوقات العبادة في شرعة التورات ، أم هما أفضل الأوقات ، لأنهما البداية والنهاية في اليقظة او الشغل ، فليبكروا بتسبيح الله وليعشوا به.
ثم (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ) هو الرمز المسموح له في تكلم الناس أيا كان فهو «وحي الإشارة» كما يروى عن امير المؤمنين (عليه السلام) (١).
(يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)(١٢).
هنا يطوى عن «متى ولد يحيى؟ وكيف ولد؟ وماذا حصل بهذه الولادة؟» طيا لصفحة زكريا في صمته بتسبيحه ، وسدلا لستار عليه وعلى الولادة ، فتحا لصفحة جديدة ومختصرة غير محتصرة عن يحيى (عليه السلام) حيث ليس كتاب القصة إلا ما يقص منها للنبهة والتذكرة ، إبرازا لاهم الحلقات وطيا لسائرها حيث لا تعني ما يعنيه القرآن من قصته.
يؤمر يحيى أن يأخذ الكتاب بقوة ، حاكما به وداعيا إليه «صبيا» وهو قبل بلوغ الحلم ، ويروى عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) انه «أعطي الفهم والعبادة وهو ابن سبع سنين» (٢) و «قال الغلمان ليحيى بن زكريا اذهب بنا نلعب فقال يحيى : ما للعب خلقنا اذهبوا نصلي فهو قول الله :
__________________
(١) في تفسير النعماني باسناده عن الصادق (عليه السلام) قال قال امير المؤمنين (عليه السلام) حين سألوه عن معنى الوحي فقال : منه وحي النبوة ومنه وحي الإلهام ومنه وحي الاشارة فقوله (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) اي أشار إليهم كقوله تعالى : (أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً).
(٢) الدر المنثور ٤ : ٣٦٠ ـ اخرج ابو نعيم وابن مردوية والديلمي عن ابن عباس عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) في الآية قال : اعطي ...