في الخطوة الاولى والثانية اعتذرت فأعذرتك وللثالثة أعذرت دون اعتذار ف «هذا» السؤال دون إعذار (فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) كما اتفقنا «سأنبئك» كما وعدتك : (حَتَّى أُحْدِثَ ..) بتأويل مأخذ ومرجع (ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً)!
فراق حنون بعد وفاق حنون وكلّ خطى خطواته كما علّم ، وقد حصل ما قصد كأن يعلم موسى أن في أمته من هو أعلم منه في علم الباطن ، مهما كان هو أعلم منه في علم الظاهر ، ف (فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) اللهم إلّا علّام الغيوب ، فلا يزعمنّ أحد أنه أعلم الخلق أجمعين وإن كان كموسى الرسول ، فضلا عمن سواه ، حيث العطيات موزّعات بعلم العليم الحكيم حسب القابليات!
(أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً)(٧٩).
أراد الله أن تبقى السفينة لمساكينها ، ولو شاء لحقق ما يشاء بصرف إمّا ذا من خارقة. ولكنه شاءه بفعل من غيره غير خارق : (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) أردته تحقيقا لمشيئة تشريعية ، واخرى تأييدة تكوينية إلهية كما في كافة الواجبات.
لم يقل أردنا حيث لم يشاركه موسى ، ولا أراد الله حيث لم يرد الله الإعابة بفعله خارقة ، وإنما أراد تعالى إصلاحها بما أعابها الخضر ، فالإعابة فعله بسماح شرعي ، والإصلاح فعل الله بسماح تكويني.
(وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ) : ملك وراء المساكين يلاحقهم أيا كانوا (يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) فليست الوراء هنا وراء الخلف ، (١) وانما وراء التخلّف
__________________
(١) الدر المنثور ٤ : ٢٣٧ ـ اخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم ـ