إنه لا يتساءل (كَيْفَ يَكُونُ) استبعادا لأصل الولادة او كيفيتها ، وإنما (أَنَّى يَكُونُ) سؤالا عن زمانها ، أقريب أم بعيد ، رغم أن (امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) فليكن قريبا لكي تكون لي ولأمه حظوة ، ولا فرق عندك بين تعجيله وتأجيله حيث الكبر والعقر قائم ولا سيما في تأجيله.
وان كان الجواب يلوح باستبعاد لزكريا في الاستجابة (قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ..) فانما هو من قصور فيه وفي زوجه ، ولا أنه كان يستبعد القدرة الإلهية ، أو أنه كان يستبعد الإجابة لأنها خارقة ، فأخذته الحيرة لما بشر بيحيى فانفلت من لسانه «أنى»! إذ لم يتمالكه في عجاب البشرى واستفسار خصوصياتها ، استغرابا من الأسباب ، لا من هبة مسبب الأسباب ، كما ولا يذكر إلّا عقرا لامرأته وعتيا لنفسه دون شيء من ربه إلا ما سبق في دعائه (إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا)!.
هنا يذكر من قصوراته في موانعه : لامرأته عقرا وشيخوخة ، فلو لم تكن عاقرا لم تلد الآن للشيخوخة وهي عاقر شيخة! ولنفسه اشتعال الرأس شيخوخة وانخماد الشهوة عتوة : يبسا وجفافا لنبعة النطفة ، ضعف على ضعف وعقر على عقر فاستعجاب من بشارة الولادة جانبيا ، يستوضح ب «أنّى» زمنها وكيفيتها ، لا أصلها المستجاب فيما تطلّبه بكل رغبة و :
(قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً)(٩).
«قال» الله «كذلك» الذي بشرت هو واقع دون منعة مانع ولا دفعة دافع (ذلِكَ قالَ رَبُّكَ) : (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) كيف لا (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) أفعيّا بعد عن خلق غلام من أبوين؟.