الشيطان كان مطيعا للرحمان لم تحق له العبادة ومطلق الطاعة ، كيف وقد (كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا) فالرحمن الذي منه الرحمة العامة لكل كائن كيف يترك إلى الشيطان وهو عصيّ الرحمان ، يبدل رحمته نقمة وهداه ضلالا.
وترى إذ كان أبوه يعبد الشيطان فكيف يخاف عليه أن يمسه عذاب من الرحمن فيكون وليا للشيطان ، ومس العذاب وولاية الشيطان لزامان لمن يعبد الشيطان؟ والخوف يلمح بتردد راجح!.
في (إِنِّي أَخافُ) لمحة أن ابراهيم (عليه السلام) لمّا يعرف حتى الآن أن أباه عدو للرحمن ، فكأنه مستضعف جاهل او يحتمله ، كما وأن (فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا) لمحة اخرى تؤيدها أنه لم يكن يعلم آنذاك ولايته المعمدة المعاندة الحق للشيطان ، ومن ثم (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) أيدت تلك اللمحة فأعذرت ابراهيم في وعد الاستغفار وتحقيقه!.
ثم الإنسان ولي لمن والاه في الاخرى كما الاولى ولله الآخرة والاولى.
وهذه الدعوة اللطيفة الخفيفة بقاطع البرهان وأرق الألفاظ وأدقها لم تكن لتصل الى قلب خاو هاو فإذا بآزر في عربدة نكراء وطنطنة غوغاء.
(قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا)(٤٦).
فلم يكن لولي الشيطان جواب إلا سؤال التنديد الشديد : (أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ)؟ رغبة عما أعبده وأنا أبوك وهي آلهتي (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ) عن هذه الرغبة المعارضة «لأرجمنك» إذ كان الرجم شر عذاب : (وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ) (١١ : ٩١) (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) (٣٦ : ١٨) (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) فاعزب عن محاورتي واغرب عن مواجهتي طويلا! فالتملي بشيء هو التمتع به بملاوة من دهر ، وهناك