شعّ له الرجاء بعد الخوف والعناء كأن أباه يتمهل بالهجر الملي ان يفكر مليّا علّه يخرج عن غيّه ، وذلك تمهّل وشك مقدس ام الى قداسة ولذلك يسلم عليه إبراهيم ويعده الاستغفار إذ:
(قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا)(٤٧).
هناك يسلم عليه ويعده الاستغفار ولما ، ولماذا السلام على المشرك ووعد الاستغفار؟ و (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ)!.
الجواب ـ (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ..) (٩ : ١١٣) (فَلَمَّا تَبَيَّنَ) هنا تبين أنه استغفر له قبل التبين ف (عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) لا تعني إلا موعدة آزر لإبراهيم حيث ترجى فيها هداه ، فلم يتبيّن له أنه عدو لله رغم ما تقدم من عداه ، ولا مجال لتفهم هذه الموعدة في القرآن إلا (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) فلو انه كان مصرا في عداه لكان يرجمه او يلزمه. كيلا ينشر دعوته ضد الآلهة ، إذا (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) تمتعا بملاوة من الدهر ، يرجيه بموعدة التفكير مليا علّه يهتدي ، ام يقول كلمته الاخيرة بعد مليّ التفكير ، لذلك يسلم عليه إخبارا أنه سوف لا يرى منه سوء ، ودعاء ان الله يوفقه في هجرة الملي لهداه ، ثم يعده الاستغفار موعدة عن موعدة فاستغفر له بعد ملي لم ير منه ما كان يسمعه ويراه من عداه : (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) (٢٦ : ٨٦) ف «كان» هنا تضرب الى ماضي حاله ، وأما حاله ومنذ موعدته (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) فلم تتبين له أنها استمرارية ضلاله ، ولذلك يستغفر له (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) فلم يعد يستغفر لأبيه وإن استغفر لوالديه في نهاية أمره وخاتمة عمره عند بناء البيت ، (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) (١٤ :) ٤١) فلو أن والده أبوه لأصبح كلام الله (تَبَرَّأَ مِنْهُ) كذبا ، وأصبح ابراهيم رسول الله عاصيا إذ «لم يتبرأ منه»!