(وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً) ١٦.
هنالك اعتزال عنهم وما يعبدون حيث لا تنفع دعوتهم إلّا ملاحقتهم والضغط عليهم ، فاعتزال الاختفاء احتفاظا على أنفسهم ثم أويا الى الكهف (يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) رحمته الّلدنّية التي التمسوها منه ، وهل رحمة مطوية تنشر ومكنونة تظهر ، والرب لا يكنّ ويطوي رحمته عمن يأهل ، وإنما إسباغها ظاهرة منشورة لا مستورة ، إذا فنشرها هو ايتاءها كما تطلّبوها (آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) ثم (وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً) : ما يرتفق به ويعتمد عليه فيكون لظهوركم عمادا ولأعضادكم سنادا.
أجل وان الكهف الضيق الخشن المظلم لهؤلاء الفتية هو منتشر الرحمة ومرتفق النعمة ، إذ يأوون اليه ويلجأون بايمانهم ، ولكنما البلد وهم بين أهليهم في بحبوحة من عيشة الحياة الدنيا ، هو لهم نقمة ومصيبة إذ ليس لهم فيه راحة الرّوح والرضوان وفسحة الايمان! فإذا الكهف الضيق البعيد عن الحياة لهم فيه فسحة وحيوية تتسع خيوطها وتمتد ظلالها ويشملهم بالرفق واللين والرخاء ، حيث الحدود الضيقة تنزاح والجدران الصلدة ترق والوحشة الموغلة تشف.
ذلك الكهف الحصين أملهم كما يوسف الصديق يفر من البلاط الى السجن : (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ).
هنا في قصة الآوين الى الكهف روايات ، تقول طائفة منها انهم كانوا ثلاثة هم اصحاب الرقيم ، وهي لا تلائم القرآن إلّا ان يكونوا هم من اصحاب الكهف وقد رقموا خالصات أعمالهم نجاتا من الحجر المؤصد عليهم من كهفهم ، ثم لحقهم الآخرون بعد ما نجوا ، فكلهم أصحاب