ذلك التصديق الكاذب اللعين بسلطان له عليهم : (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) وكما يصدقه هو إذ قضي الأمر : (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٤ : ٢٢).
انه لا سلطان له على اي انس او جان ، لا حجة تقبلها العقول ، ولا قوة تسيّر ذوي العقول ، وانما مكرا وخداعا وكذبا ، ولماذا الله جعل له سلطان المكر والخداع؟ (وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ ...)
و «نعلم» هذا كما في أشباهه هو من العلم العلامة السمة ، لا العلم المعرفة ، فلكي يسم الله (مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ) بسمة الايمان ، ويعم (مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ) بوصمة اللاايمان ، لم يكن الله ليصد عنهم سبيل الشيطان.
هذا! ولكي يقضى على فوضى الادعاءات الجوفاء ، ويقف ويوقف كلّ مدّع عند عمله في تجربة من سلطان الشيطان! (وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) لا يفوت منه فائت ولا يفلت منه فالت ، فليس اتباع الشيطان فلتة خارجة عن حيطة الحفيظ ، فان حريته في تصديق ظنه حفيظ على صدق المؤمنين وكذب الكافرين ، حفيظ على كافة الموازين في كل تقوى وطغوى!
وانما يختص من بين شعب الايمان واللاإيمان هنا الآخرة ، لان الايمان بها هو الرادع الأصيل عن اتباع الشيطان ، فرب مؤمن بالله وبرسله لا يؤمن بالآخرة لا يردعه ذلك الايمان كما تردعه الآخرة!