وعاصمة الكيتان Kitans قد أخذ عن هذه السفارة. ويمكن أن نلاحظ عرضا أن بعض الأسماء فى هذا الطريق مذكورة فى «القانون المسعودى» ، أى أن البيرونى قد استقاها على أغلب الظن من ذات المصدر. وأكثر أهمية من هذا رواية المروزى عن هجرات شعوب آسيا الوسطى التى استعارها عوفى والتى استعصت على الأفهام لحين التعرف من جديد على هذا المصدر الذى يسّر بعض الشىء فهم هذه المسألة وإرجاع حوادثها إلى منتصف القرن الحادى عشر (١٥١).
ومن الملاحظ أننا عدنا إلى الكلام على البيرونى مرة أخرى فى آخر هذا الفصل الذى بدأناه بالحديث عنه. وهذا بالتأكيد ليس من محض الصدفة فالبيرونى هو تلك الشخصية الفذة التى طغت على شرقى العالم الإسلامى فى القرن الحادى عشر فى ميدان العلوم المتصلة بالجغرافيا ، خاصة الجغرافيا الرياضية. ورغما عن هذا فإنه لم تصلنا عنه مصنفات جغرافية بحتة وذلك بالمعنى الذى حددناه من قبل ؛ ولعله ليس من قبيل المصادفة أن تنعدم أيضا عند المؤلفين الذين مر ذكرهم فى هذا الفصل. وهذا يعنى بلا شك أن الأنماط المعروفة فى الأدب الجغرافى التى نالت انتشارا واسعا قد انقطع الاهتمام بها فى القرن الحادى عشر بل وأخذت تختفى فى البلدان الشرقية. غير أن هذا يجب ألا يفهم منه أنها انقرضت تماما ؛ إذ سنراها بعد قليل تنتعش انتعاشا كبيرا بالمغرب وبوجه خاص فى الأندلس ، وهى مناطق سار فيها تطور الأدب بوجه عام بخطى أبطأ مما بالمشرق. أما فى المشرق فلم ترفع رأسها من جديد إلا أنه يلاحظ فى القرنين الثانى عشر والثالث عشر بالذات ظهور أنماط جديدة وازدهارها بحيث يصبح من العسير القول بتدهور للأدب الجغرافى فى جملته حتى فى ذلك العصر.