السورة ، وتذهب عني ، فأصبحت متغيرا من أجل الرؤيا ، وقلت الشياطين أعداء في التأويل. وركبت في القارب ، ونويت نقرأ في ذلك اليوم سورة : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ألف مرة ، وندع الله تبارك وتعالى ، وببركتها يدفع عني شر الأعداء. وكان القارب عامرا بالرجال ، وبينهم قسيسان مترهبان ، وعرفني واحد من الذين كانوا بالقارب ، وكنت ـ كما تقدم ـ حين دخلت روانا لبست للضرورة لباس الفرنج ، وذكرني للقسيس ، فناداني ، وقال لي : اجلس بإزائي ، فجلست ، فقال لي : أنت مسلم ، قلت : مسلم لله الحمد ، وكان يتكلم بلسان الطليان ، وهو قريب من لسان بلاد الأندلس العجمي. قال لي : لقيت في البندقية بعضا من أهل دينكم ، ورأيتهم يعملون شيئا كأنه عبث لا أصل له في دين ، قلت : ماذا رأيت منهم؟ قال : إذا نزلت نجاسة أو بول في حوايجهم يغسلون ذلك المحال بماء ، فسألتهم عن السبب الموجب لذلك ، فلم نجد عندهم خبرا. قلت له : السبب في ذلك أن كل مسلم عليه فرض أن يصلي لله تعالى في كل يوم خمس صلوات ، كل صلاة في وقتها ، ما بين الليل والنهار ، ومن فرائض الصلاة أن يكون طاهرا في جسده ولباسه ، لأنه يناجي الله ربه ، وينبغي أن يكون على أفضل حالة ، ولما كان يخرج من الإنسان من السبيلين نجسا بسبب الشجرة التي أكل منها أبونا آدم عليهالسلام من فاكهتها ما نهاه الله عنها ومن أجل ذلك رجع جسده يدفع ما يخرج منه ما لا كان قبل فورتنا ذلك ، فإذا وقع شيء مما يخرج من الجسد في ثوبه أو لحمه يزيله بالماء الطاهر ، ليكون الإنسان بحضرة مولاه طاهرا ، ظاهرا وباطنا. أما في الظاهر ، ففي الجسد ، وما يلبسه ، والموضع الذي يعبد فيه. وما في باطنه : ينبغي له أن لا يتفكر إلّا فيما يقرأه وهذا هو الأصل ، والسبب الموجب في غسل النجاسة. فاستحسن الجواب غاية حتى قال للذين كانوا في القارب بلسانهم كلام الخير عني. وبحثني في مسائل دقيقة ونسيتها. ولما صدر منه أنه قال لأصحابه عني خيرا وأنا على غير دينه فما رآني في نفسه من الرأي إلا أن قال لهم : المسلمون أعطاهم الله عقولا وافرة ، كل ذلك لتكون عقوبتهم في الآخرة أشد وأقوى ، إذ لم يكونوا نصارى. قال ذلك أيضا بلسانهم. وكنت أفهمه. وكان من الحق أن أقول له حين ذكرت أن الإنسان يحتاج أن يكون طاهرا في الباطن. بأن أقول له : طهارة القلب بأن لا يكون مشركا بالله. وكان مع الراهب صاحبه على الرهبانية ،