ومذهبه. وكان يقول بلسانه أن يتكلم معي بالتثليث في الألوهية ويجاوب ويقول له : ما يليق ذلك.
ومشينا اليوم كله ، وعند المغرب خرجنا جميعا من القارب إلى دار منزلة بحاشية الواد ، وكنت في أعلى الدار في موضع خارج عن البيت الذي نزلنا فيه أقرأ لنتم الألف (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) وبعثت للقسيس شيئا من الخبز معجونا بسكر وبيض وناداني ، وقال لي : أنا صائم هذه الأيام ، هذا الذي بعثت لي فيه بيض ، ولا نأكل ذلك في أيام الصوم. واشتغل يذكر ما هو فيه من مخالفة النفس ، وأنه لا يلبس كتانا ، ولا يأخذ بيده دراهم ، ولا يأكل كثيرا ، وأخذ في مدح نفسه ومذهبه. وقلت له : مثلك ما يجد الشيطان والنفس سبيلا للوسوس ظاهرا ، إلا إذا كان على وجه الحسنة. قال : كيف تأتي من باب الحسنات ، لأني ما فهمت ذلك؟ قلت له : أنتم القسيسون تزورون النساء وتستخلون بهن وهن يحسن إليك بالصدقات فتقول لك نفسك : سر إلى فلانة ، إنها من الصالحات ، واذكر شيئا من ذكر الله ، وألهمها إليه ، ويحصل لك أجر وحسنة. وهذا هو باب الحسنة ، وغرضها منك أن تقرب منها حتى تتمكن المحبة من قلوبكما ، فإما تغلبكما حتى تقعا في المعصية والحرام ، وهو المقصود من النفس والشيطان ، وإما تكثر المحبة بينكما ، وتشغلك حتى إنك إذا كنت في صلاتك تذكر باللسان ومعها قلبك ، وهذا هو باب نصيحتها. فسكت القس ، ولا أنكر ، ولا أنعم. وكان من الحق أن يقال له مثلك لا يوسوسه الشيطان ولا النفس أبدا لأن اللص لا يقصد إلا البيت العامر بالخيرات ، ومثلك مشرك بالله المالك الديان ، وعابد الأوثان ، فليس له إلا أن يعظم لك الشأن ، ويزين لك الطريق الذاهب إلى النيران. ثم قال : ما السبب في منع الخمر في دينكم؟ قلت له : لأنه مسكر يزيل العقل الذي هو أشرف وأفضل ما في الإنسان ، قلت له : وإذا كنت صائما تقطع شرب الخمر ، قال : لا. ثم قال لي واحد من الشيطان الذين رأيتهم في النوم ـ وكان كافر في الذين جاءوا في القارب معنا ـ : كيف أنت في بلادنا؟ ومن أذن لك في ذلك؟ وأظهر الغضب ، وأكثر الكلام. فأظهرت لهم كتاب سلطانهم ، وسخرهم الله جميعا ، حتى إذا بلغنا إلى دار منزلة التي ننزل فيها للمبيت فيها ، فيكلمون رب الدار ، يقولون : هذا رجل تركي ـ لأن في بلاد الفرنج ، وفي الكثير من سلطانات