قوله وعلى الذين هادوا حرمنا. (وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً) ناسا كثيرا أو صدا كثيرا.
(وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ) كان الربا محرما عليهم كما هو محرم علينا ، وفيه دليل على دلالة النهي على التحريم. (وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) بالرشوة وسائر الوجوه المحرمة. (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) دون من تاب وآمن.
(لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً)(١٦٢)
(لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ) كعبد الله بن سلام وأصحابه. (وَالْمُؤْمِنُونَ) أي منهم أو من المهاجرين والأنصار. (يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) خبر المبتدأ (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) نصب على المدح إن جعل يؤمنون الخبر لأولئك ، أو عطف على ما أنزل إليك والمراد بهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أي : يؤمنون بالكتب والأنبياء. وقرئ بالرفع عطفا على (الرَّاسِخُونَ) أو على الضمير في (يُؤْمِنُونَ) أو على أنه مبتدأ والخبر (أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ). (وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ) رفعه لأحد الأوجه المذكورة. (وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) قدم عليه الإيمان بالأنبياء والكتب وما يصدقه من اتباع الشرائع لأنه المقصود بالآية. (أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً) على جمعهم بين الإيمان الصحيح والعمل الصالح وقرأ حمزة سيؤتيهم بالياء.
(إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً)(١٦٣)
(إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) جواب لأهل الكتاب عن اقتراحهم أن ينزل عليهم كتابا من السماء ، واحتجاج عليهم بأنّ أمره في الوحي كسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. (وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ) خصهم بالذكر مع اشتمال النبيين عليهم تعظيما لهم ، فإن إبراهيم أول أولي العزم منهم وعيسى آخرهم ، والباقين أشرف الأنبياء ومشاهيرهم. (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) وقرأ حمزة (زَبُوراً) بالضم وهو جمع زبر. بمعنى مزبور.
(وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً(١٦٤) رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً)(١٦٥)
(وَرُسُلاً) نصب بمضمر دل عليه أوحينا إليك كأرسلنا أو فسره : (قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) أي من قبل هذه السورة أو اليوم. (وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) وهو منتهى مراتب الوحي خص به موسى من بينهم ، وقد فضل الله محمدا صلىاللهعليهوسلم بأن أعطاه مثل ما أعطى كل واحد منهم.
(رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) نصب على المدح أو بإضمار أرسلنا ، أو على الحال ويكون رسلا موطئا لما بعده كقولك مررت بزيد رجلا صالحا. (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) فيقولوا لولا أرسلت إلينا رسولا فينبهنا ويعلمنا ما لم نكن نعلم ، وفيه تنبيه على أن بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى الناس ضرورة لقصور الكل عن إدراك جزيئات المصالح والأكثر عن إدراك كلياتها ، واللام متعلقة بأرسلنا أو بقوله (مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) ، و (حُجَّةٌ) اسم كان وخبره (لِلنَّاسِ) أو (عَلَى اللهِ) والآخر حال ، ولا يجوز تعلقه بحجة لأنه مصدر وبعد ظرف لها أو صفة. (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) لا يغلب فيما يريد. (حَكِيماً) فيما دبر من أمر النبوة وخص كل نبي بنوع من الوحي والإعجاز.