وسكون الدال ، جمع صدقة كغرفة ، وبضمهما على التوحيد وهو تثقيل صدقة كظلمة في ظلمة. (نِحْلَةً) أي عطية يقال نحلة كذا نحلة ونحلا إذا أعطاه إياه عن طيب نفس بلا توقع عوض ، ومن فسرها بالفريضة ونحوها نظر إلى مفهوم الآية لا إلى موضوع اللفظ ، ونصبها على المصدر لأنها في معنى الإيتاء أو الحال من الواو ، أو الصدقات أي آتوهن صدقاتهن ناحلين أو منحولة. وقيل المعنى نحلة من الله وتفضلا منه عليهن فتكون حالا من الصدقات. وقيل ديانة من قولهم انتحل فلان كذا إذا دان به على أنه مفعول له ، أو حال من الصدقات أي دينا من الله تعالى شرعه ، والخطاب للأزواج ، وقيل للأولياء لأنهم كانوا يأخذون مهور مولياتهم. (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً) الضمير للصداق حملا على المعنى أو مجري مجرى اسم الإشارة كقول رؤبة :
كأنّه في الجلد |
|
توليع البهق |
إذ سئل فقال : أردت كأن ذاك. وقيل للإيتاء ، ونفسا تمييز لبيان الجنس ولذلك وحد ، والمعنى فإن وهبن لكم شيئا من الصداق عن طيب نفس ، لكن جعل العمدة طيب النفس للمبالغة وعداه بعن لتضمن معنى التجافي والتجاوز ، وقال منه بعثا لهن على تقليل الموهوب (فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) فخذوه وأنفقوه حلالا بلا تبعة. والهنيء والمريء صفتان من هنأ الطعام ومرأ إذا ساغ من غير غصص ، أقيمتا مقام مصدريهما أو وصف بهما المصدر أو جعلتا حالا من الضمير. وقيل الهنيء ما يلذه الإنسان ، والمريء ما تحمد عاقبته. روي : أن ناسا كانوا يتأثمون أن يقبل أحدهم من زوجته شيئا مما ساق إليها. فنزلت.
(وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً)(٥)
(وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) نهي للأولياء عن أن يؤتوا الذين لا رشد لهم أموالهم فيضيعوها ، وإنما أضاف الأموال إلى الأولياء لأنها في تصرفهم وتحت ولايتهم ، وهو الملائم للآيات المتقدمة والمتأخرة. وقيل نهي لكل أحد أن يعمد إلى ما خوّله الله تعالى من المال فيعطي امرأته وأولاده ، ثم ينظر إلى أيديهم. وإنما سماهم سفهاء استخفافا بعقولهم واستهجانا لجعلهم قواما على أنفسهم وهو أوفق لقوله : (الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) أي تقومون بها وتنتعشون ، وعلى الأول يؤول بأنها التي من جنس ما جعل الله لكم قياما سمي ما به القيام قياما للمبالغة. وقرأ نافع وابن عامر «قيما» بمعناه كعوذ بمعنى عياذ. وقرئ «قواما» وهو ما يقام به. (وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ) واجعلوها مكانا لرزقهم وكسوتهم بأن تتجروا فيها وتحصلوا من نفعها ما يحتاجون إليه. (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) عدة جميلة تطيب بها نفوسهم ، والمعروف ما عرفه الشرع أو العقل بالحسن ، والمنكر ما أنكره أحدهما لقبحه.
(وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً)(٦)
(وَابْتَلُوا الْيَتامى) اختبروهم قبل البلوغ بتتبع أحوالهم في صلاح الدين ، والتهدي إلى ضبط المال وحسن التصرف ، بأن يكل إليه مقدمات العقد. وعن أبي حنيفة رحمهالله تعالى بأن يدفع إليه ما يتصرف فيه. (حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) حتى إذا بلغوا حد البلوغ بأن يحتلم ، أو يستكمل خمس عشرة سنة عندنا لقوله عليه الصلاة والسلام : «إذا استكمل الولد خمس عشرة سنة ، كتب ماله وما عليه وأقيمت عليه الحدود». وثماني