أي الذي قرب جواره. وقيل الذي له الجوار قرب واتصال بسبب أو دين. وقرئ بالنصب على الاختصاص تعظيما لحقه. (وَالْجارِ الْجُنُبِ) البعيد ، أو الذي لا قرابة له. وعنه عليه الصلاة والسلام : «الجيران ثلاثة. فجار له ثلاث حقوق : حق الجوار ، وحق القرابة ، وحق الإسلام. وجار له حقان : حق الجوار وحق الإسلام ، وجار له حق واحد : حق الجوار وهو المشرك من أهل الكتاب». (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) الرفيق في أمر حسن كتعلم وتصرف وصناعة وسفر ، فإنه صحبك وحصل بجنبك. وقيل المرأة. (وَابْنِ السَّبِيلِ) المسافر أو الضعيف. (وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) العبيد والإماء. (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً) متكبرا يأنف عن أقاربه وجيرانه وأصحابه ولا يلتفت إليهم. (فَخُوراً) يتفاخر عليهم.
(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً)(٣٧)
(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) بدل من قوله من كان ، أو نصب على الذم أو رفع عليه أي هم الذين ، أو مبتدأ خبره محذوف تقديره الذين يبخلون بما منحوا به ويأمرون الناس بالبخل به. وقرأ حمزة والكسائي هاهنا وفي «الحديد» (بِالْبُخْلِ) بفتح الحرفين وهي لغة. (وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) الغنى والعلم فهم أحقاء بكل ملامة. (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) وضع الظاهر فيه موضع المضمر إشعارا بأن من هذا شأنه فهو كافر لنعمة الله ، ومن كان كافرا لنعمة الله فله عذاب يهينه كما أهان النعمة بالبخل والإخفاء. والآية نزلت في طائفة من اليهود كانوا يقولون للأنصار تنصيحا : لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر. وقيل في الذين كتموا صفة محمد صلىاللهعليهوسلم.
(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً)(٣٨)
(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ) عطف على الذين يبخلون ، أو الكافرين. وإنما شاركهم في الذم والوعيد لأن البخل والسرف الذي هو الإنفاق لا على من ينبغي من حيث إنهما طرفا إفراط وتفريط سواء في القبح واستجلاب الذم ، أو مبتدأ خبره محذوف مدلول عليه بقوله : (وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً). (وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) ليتحروا بالإنفاق مراضيه وثوابه وهم مشركو مكة. وقيل هم المنافقون. (وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً) تنبيه على أن الشيطان قرنهم فحملهم على ذلك وزينة لهم كقوله تعالى : (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ). والمراد إبليس وأعوانه الداخلة والخارجة ، ويجوز أن يكون وعيدا لهم بأن يقرن بهم الشيطان في النار.
(وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً) (٣٩)
(وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ) أي وما الذي عليهم ، أو أي تبعة تحيق بهم بسبب الإيمان والإنفاق في سبيل الله ، وهو توبيخ لهم على الجهل بمكان المنفعة والاعتقاد في الشيء على خلاف ما هو عليه ، وتحريض على الفكر لطلب الجواب لعله يؤدي بهم إلى العلم بما فيه من الفوائد الجليلة ، والعوائد الجميلة. وتنبيه على أن المدعو إلى أمر لا ضرر فيه ينبغي أن يجيب إليه احتياطا ، فكيف إذا تضمن المنافع. وإنما قدّم الإيمان هاهنا وأخّره في الآية الأخرى لأن القصد بذكره إلى التخصيص هاهنا والتعليل ثم (وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً) وعيد لهم.