(قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(٢٣)
(قالَ رَجُلانِ) كالب ويوشع (مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ) أي يخافون الله سبحانه وتعالى ويتقونه. وقيل كان رجلان من الجبابرة أسلما وسارا إلى موسى عليه الصلاة والسلام ، فعلى هذا الواو لبني إسرائيل والراجع إلى الموصول محذوف أي من الذين يخافهم بنو إسرائيل ، ويشهد له أنه قرئ «الّذين يخافون» بالضم أي المخوفين ، وعلى المعنى الأول يكون هذا من الإخافة أي من الذين يخوفون من الله عزوجل بالتذكير أو يخوفهم الوعيد. (أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) بالإيمان والتثبيت وهو صفة ثانية لرجلان أو اعتراض. (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ) باب قريتهم أي باغتوهم وضاغطوهم في المضيق وامنعوهم من الإصحار. (فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ) لتعسر الكر عليهم في المضايق من عظم أجسامهم ، ولأنهم أجسام لا قلوب فيها ، ويجوز أن يكون علمهما بذلك من إخبار موسى عليه الصلاة والسلام وقوله : (كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) أو مما علما من عادة الله سبحانه وتعالى في نصرة رسله ، وما عهدا من صنعه لموسى عليه الصلاة والسلام في قهر أعدائه. (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي مؤمنين به ومصدقين بوعده.
(قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ (٢٤) قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ)(٢٥)
(قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً) نفوا دخولهم على التأكيد والتأبيد. (ما دامُوا فِيها) بدل من أبدا بدل البعض. (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) قالوا ذلك استهانة بالله ورسوله وعدم مبالاة بهما ، وقيل تقديره اذهب أنت وربك يعينك.
(قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي) قاله شكوى بثه وحزنه إلى الله سبحانه وتعالى لما خالفه قومه وأيس منهم ، ولم يبق معه موافق يثق به غير هارون عليهالسلام والرجلان المذكوران وإن كانا يوافقانه لم يثق عليهما لما كابد من تلون قومه ، ويجوز أن يراد بأخي من يواخيني في الدين فيدخلان فيه ، ويحتمل نصبه عطفا على نفسي ، أو على اسم إن ورفعه عطفا على الضمير في (لا أَمْلِكُ) ، أو على محل إن واسمها ، وجره عند الكوفيين عطفا على الضمير في نفسي. (فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) بأن تحكم لنا بما نستحقه وتحكم عليهم بما يستحقونه ، أو بالتبعيد بيننا وبينهم وتخليصنا من صحبتهم.
(قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (٢٦)
(قالَ فَإِنَّها) فإن الأرض المقدسة. (مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) لا يدخلونها ولا يملكونها بسبب عصيانهم. (أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ) عامل الظرف إما محرمة فيكون التحريم موقتا غير مؤبد فلا يخالف ظاهر قوله (الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) ، ويؤيد ذلك ما روي : أن موسى عليه الصلاة والسلام سار بعده بمن بقي من بني إسرائيل ففتح أريحاء ، وأقام بها ما شاء الله ثم قبض وقيل : إنه قبض في التيه ولما احتضر أخبرهم بأن يوشع بعده نبي وأن الله سبحانه وتعالى أمره بقتال الجبابرة ، فسار بهم يوشع وقتل الجبابرة وصار الشام كله لبني إسرائيل ، وإما يتيهون أي يسيرون فيها متحيرين لا يرون طريقا فيكون التحريم مطلقا ، وقد قيل لم يدخل الأرض المقدسة أحد ممن قال إنا لن ندخلها بل هلكوا في التيه ، وإنما قاتل الجبابرة أولادهم. روي : أنهم لبثوا أربعين سنة في ستة فراسخ يسيرون من الصباح إلى المساء ، فإذا هم بحيث ارتحلوا عنه ، وكان الغمام