(قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ) الخطاب لقريش أو لليهود ، وقيل للمؤمنين. (فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا) يوم بدر. (فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ) يرى المشركون المؤمنين مثلي عدد المشركين ، وكان قريبا من ألف ، أو مثلي عدد المسلمين وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر ، وذلك كان بعد ما قللهم في أعينهم حتى اجترءوا عليهم وتوجهوا إليهم ، فلما لاقوهم كثروا في أعينهم حتى غلبوا مددا من الله تعالى للمؤمنين ، أو يرى المؤمنون المشركين مثلي المؤمنين وكانوا ثلاثة أمثالهم ليثبتوا لهم ويتيقنوا بالنصر الذي وعدهم الله به في قوله : (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ). ويؤيده قراءة نافع ويعقوب بالتاء وقرئ بهما على البناء للمفعول أي يريهم الله ، أو يريكم ذلك بقدرته ، وفئة بالجر على البدل من فئتين والنصب على الاختصاص ، أو الحال من فاعل التقتا. (رَأْيَ الْعَيْنِ) رؤية ظاهرة معاينة. (وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ) نصره كما أيد أهل بدر. (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي التقليل والتكثير ، أو غلبة القليل عديم العدة في الكثير شاكي السلاح ، وكون الواقعة آية أيضا يحتملها ويحتمل وقوع الأمر على ما أخبر به الرسول صلىاللهعليهوسلم. (لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) أي لعظة لذوي البصائر. وقيل لمن أبصرهم.
(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ)(١٤)
(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ) أي المشتهيات سماها شهوات مبالغة وإيماء على أنهم انهمكوا في محبتها حتى أحبوا شهوتها كقوله تعالى : (أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ) والمزين هو الله تعالى لأنه الخالق للأفعال والدواعي ، ولعله زينه إبتلاء ، أو لأنه يكون وسيلة إلى السعادة الأخروية إذا كان على وجه يرتضيه الله تعالى ، أو لأنه من أسباب التعيش وبقاء النوع. وقيل الشيطان فإن الآية في معرض الذم. وفرق الجبائي بين المباح والمحرم. (مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ) بيان للشهوات ، والقنطار المال الكثير. وقيل مائة ألف دينار. وقيل ملء مسك ثور. واختلف في أنه فعلال أو فنعال ، والمقنطرة مأخوذة منه للتأكيد كقولهم بدرة مبدرة. والمسومة المعلمة من السومة وهي العلامة ، أو المرعية من أسام الدابة وسومها ، أو المطهمة. والأنعام الإبل والبقر والغنم (ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) إشارة إلى ما ذكر. (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) أي المرجع ، وهو تحريض على استبدال ما عنده من اللذات الحقيقية الأبدية بالشهوات المخدجة الفانية.
(قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (١٥) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ)(١٦)
(قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ) يريد به تقرير أن ثواب الله تعالى خير من مستلذات الدنيا. (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) استئناف لبيان ما هو خير ، ويجوز أن يتعلق اللام بخير ويرتفع جنات على هو جنات ، ويؤيده قراءة من جرها بدلا من (بِخَيْرٍ). (وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) مما يستقذر من النساء. (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ) قرأ عاصم في رواية أبي بكر في جميع القرآن بضم الراء ما خلا الحرف الثاني في المائدة وهو قوله تعالى : (رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ) بكسر الراء وهما لغتان. (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) أي بأعمالهم فيثيب المحسن ويعاقب المسيء ، أو بأحوال الذين اتقوا فلذلك أعد لهم جنات ، وقد نبه بهذه الآية على نعمه فأدناها متاع الحياة الدنيا وأعلاها رضوان الله تعالى لقوله تعالى : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) وأوسطها الجنة ونعيمها.