ووعيد للمبادرين والمقصرين. (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) بالجزاء الفاصل بين المحق والمبطل والعامل والمقصر.
(وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ)(٤٩)
(وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) عطف على الكتاب أي أنزلنا إليك الكتاب والحكم ، أو على الحق أي أنزلناه بالحق وبأن احكم ، ويجوز أن يكون جملة بتقدير وأمرنا أن أحكم. (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ) أي أن يضلوك ويصرفوك عنه ، وأن بصلته بدل من هم بدل الاشتمال أي احذر فتنتهم ، أو مفعول له أي احذرهم مخافة أن يفتنوك. روي (أن أحبار اليهود قالوا : اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه ، فقالوا : يا محمد قد عرفت أنا أحبار اليهود وأنا إن اتبعناك اتبعنا اليهود كلهم ، إن بيننا وبين قومنا خصومة فنتحاكم إليك فتقضي لنا عليهم ونحن نؤمن بك ونصدقك ، فأبى ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم) فنزلت. (فَإِنْ تَوَلَّوْا) عن الحكم المنزل وأرادوا غيره. (فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) يعني ذنب التولي عن حكم الله سبحانه وتعالى ، فعبر عنه بذلك تنبيها على أن لهم ذنوبا كثيرة وهذا مع عظمه واحد منها معدود من جملتها ، وفيه دلالة على التعظيم كما في التنكير ونظيره قول لبيد :
أو يرتبط بعض النّفوس جمامها
(وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ) لمتمردون في الكفر معتدون فيه.
(أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)(٥٠)
(أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) الذي هو الميل والمداهنة في الحكم ، والمراد بالجاهلية الملة الجاهلية التي هي متابعة الهوى. وقيل نزلت في بني قريظة والنضير طلبوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يحكم بما كان يحكم به أهل الجاهلية من التفاضل بين القتلى. وقرئ برفع الحكم على أنه مبتدأ ، و (يَبْغُونَ) خبره ، والراجع محذوف حذفه في الصلة في قوله تعالى : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) واستضعف ذلك في غير الشعر وقرئ «أفحكم الجاهلية» أي يبغون حاكما كحكام الجاهلية يحكم بحسب شهيتهم. وقرأ ابن عامر «تبغون» بالتاء على قل لهم أفحكم الجاهلية تبغون. (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) أي عندهم ، واللام للبيان كما في قوله تعالى : (هَيْتَ لَكَ) أي هذا الاستفهام لقوم يوقنون فإنهم هم الذين يتدبرون الأمور ويتحققون الأشياء بأنظارهم فيعلمون أن لا أحسن حكما من الله سبحانه وتعالى.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(٥١)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) فلا تعتمدوا عليهم ولا تعاشروهم معاشرة الأحباب. (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) إيماء على علة النهي ، أي فإنهم متفقون على خلافكم يوالي بعضهم بعضا لاتحادهم في الدين وإجماعهم على مضادتكم. (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) أي ومن والاهم منكم فإنه من جملتهم ، وهذا التشديد في وجوب مجانبتهم كما قال عليه الصلاة والسلام : «لا تتراءى ناراهما» ، أو لأن الموالي لهم كانوا منافقين. (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أي الذين ظلموا أنفسهم بموالاة الكفار أو المؤمنين بموالاة أعدائهم.