أن من قدر على ذلك قدر على معاقبة الذل والعز وإيتاء الملك ونزعه. والولوج : الدخول في مضيق. وإيلاج الليل والنهار : إدخال أحدهما في الآخر بالتعقيب أو الزيادة والنقص. وإخراج الحي من الميت وبالعكس. إنشاء الحيوانات من موادها وإماتتها ، أو إنشاء الحيوان من النطفة والنطفة منه. وقيل : إخراج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر (الْمَيِّتِ) بالتخفيف.
(لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ)(٢٨)
(لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) نهوا عن موالاتهم لقرابة وصداقة جاهلية ونحوهما ، حتى لا يكون حبهم وبغضهم إلا في الله ، أو عن الاستعانة بهم في الغزو وسائر الأمور الدينية. (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) إشارة إلى أنهم الأحقاء بالموالاة ، وأن في موالاتهم مندوحة عن موالاة الكفرة. (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي اتخاذهم أولياء. (فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ) أي من ولايته في شيء يصح أن يسمى ولاية ، فإن موالاتي المتعاديين لا يجتمعان قال :
تودّ عدوي ثمّ تزعم أنّني |
|
صديقك ليس النوك عنك بعازب |
(إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) إلا أن تخافوا من جهتهم ما يجب اتقاؤه ، أو اتقاء. والفعل معدى بمن لأنه في معنى تحذروا وتخافوا. وقرأ يعقوب «تقية». منع عن موالاتهم ظاهرا وباطنا في الأوقات كلها إلا وقت المخافة ، فإن إظهار الموالاة حينئذ جائز كما قال عيسى عليهالسلام : كن وسطا وامش جانبا. (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) فلا تتعرضوا لسخطه بمخالفة أحكامه وموالاة أعدائه ، وهو تهديد عظيم مشعر بتناهي النهي في القبح وذكر النفس ، ليعلم أن المحذر منه عقاب يصدر منه تعالى فلا يؤبه دونه بما يحذر من الكفرة.
(قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٢٩)
(قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ) أي أنه يعلم ضمائركم من ولاية الكفار وغيرها إن تخفوها أو تبدوها. (وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) فيعلم سركم وعلنكم. (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقدر على عقوبتكم إن لم تنتهوا عما نهيتم عنه. والآية بيان لقوله تعالى : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) وكأنه قال ويحذركم نفسه لأنها متصفة بعلم ذاتي محيط بالمعلومات كلها ، وقدرة ذاتية تعم المقدورات بأسرها ، فلا تجسروا على عصيانه إذ ما من معصية إلا وهو مطلع عليها قادر على العقاب بها.
(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ)(٣٠)
(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً يَوْمَ) منصوب بتود أي تتمنى كل نفس يوم تجد صحائف أعمالها ، أو جزاء أعمالها من الخير والشر حاضرة لو أن بينها وبين ذلك اليوم ، وهو له أمدا بعيدا ، أو بمضمر نحو اذكر ، و (تَوَدُّ) حال من الضمير في عملت أو خبر لما عملت من سوء وتجد مقصور على (ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ) ، ولا تكون (ما) شرطية لارتفاع (تَوَدُّ). وقرئ «ودت» وعلى هذا يصح أن تكون شرطية ولكن الحمل على الخبر أوقع معنى لأنه حكاية