(وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) فسيخلوا كما خلوا بالموت أو القتل. (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) إنكارا لارتدادهم وانقلابهم على أعقابهم عن الدين لخلوه بموت أو قتل بعد علمهم بخلو الرسل قبله وبقاء دينهم متمسكا به. وقيل الفاء للسببية والهمزة لإنكار أن يجعلوا خلو الرسل قبله سببا لانقلابهم على أعقابهم بعد وفاته. روي (أنه لما رمى عبد الله بن قميئة الحارثي رسول اللهصلىاللهعليهوسلم بحجر فكسر رباعيته وشج وجهه ، فذب عنه مصعب بن عمير رضي الله عنه وكان صاحب الراية حتى قتله ابن قميئة وهو يرى أنه قتل النبي عليه الصلاة والسلام فقال : قد قتلت محمدا وصرخ صارخ ألا إن محمدا قد قتل ، فانكفا الناس وجعل الرسول عليه الصلاة والسلام يدعو إليّ عباد الله فانحاز إليه ثلاثون من أصحابه وحموه حتى كشفوا عنه المشركين وتفرق الباقون ، وقال بعضهم : ليت ابن أبي يأخذ لنا أمانا من أبي سفيان ، وقال ناس من المنافقين لو كان نبيا لما قتل ارجعوا إلى إخوانكم ودينكم فقال أنس بن النضر عم أنس بن مالك رضي الله عنهما : يا قوم إن كان قتل محمد فإن رب محمد حي لا يموت وما تصنعون بالحياة بعده فقاتلوا على ما قاتل عليه ، ثم قال اللهم إني أعتذر إليك مما يقولون وأبرأ إليك منه وشد بسيفه فقاتل حتى قتل) فنزلت. (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً) بارتداده بل يضر نفسه. (وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) على نعمة الإسلام بالثبات عليه كأنس وأضرابه.
(وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ)(١٤٥)
(وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) إلا بمشيئة الله تعالى أو بإذنه لملك الموت عليه الصلاة والسلام في قبض روحه ، والمعنى أن لكل نفس أجلا مسمى في علمه تعالى وقضائه (لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) بالإحجام عن القتال والإقدام عليه. وفيه تحريض وتشجيع على القتال ، ووعد للرسولصلىاللهعليهوسلم بالحفظ وتأخير الأجل. (كِتاباً) مصدر مؤكد إذ المعنى كتب الموت كتابا. (مُؤَجَّلاً) صفة له أي مؤقتا لا يتقدم ولا يتأخر. (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها) تعريض لمن شغلتهم الغنائم يوم أحد ، فإن المسلمين حملوا على المشركين وهزموهم وأخذوا ينهبون ، فلما رأى الرماة ذلك أقبلوا على النهب وخلوا مكانهم فانتهز المشركون وحملوا عليهم من ورائهم فهزموهم. (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها) أي من ثوابها. (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) الذين شكروا نعمة الله فلم يشغلهم شيء عن الجهاد.
(وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)(١٤٦)
(وَكَأَيِّنْ) أصله أي دخلت الكاف عليها وصارت بمعنى كم والنون تنوين أثبت في الخط على غير قياس. وقرأ ابن كثير «وكائن» ككاعن ووجهه أنه قلب قلب الكلمة الواحدة كقولهم رعملي في لعمري ، فصار كيأن ثم حذفت الياء الثانية للتخفيف ثم أبدلت الياء الأخرى ألفا كما أبدلت من طائي (مِنْ نَبِيٍ) بيان له. (قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) ربانيون علماء أتقياء ، أو عابدون لربهم. وقيل جماعات والربى منسوب إلى الربة وهي الجماعة للمبالغة. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب «قتل» ، وإسناده إلى (رِبِّيُّونَ) أو ضمير النبي ومعه ربيون حال منه ويؤيد الأول أنه قرئ بالتشديد وقرئ (رِبِّيُّونَ) بالفتح على الأصل وبالضم وهو من تغييرات النسب كالكسر. (فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) فما فتروا ولم ينكسر جدهم لما أصابهم من قتل النبي أو بعضهم. (وَما ضَعُفُوا) عن العدو أو في الدين. (وَمَا اسْتَكانُوا) وما خضعوا للعدو ، وأصله استكن من السكون لأن الخاضع يسكن لصاحبه ليفعل به ما يريده ، والألف من إشباع الفتحة أو استكون من