والفاحشة الزنا لزيادة قبحها وشناعتها. (فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) فاطلبوا ممن قذفهن أربعة من رجال المؤمنين تشهد عليهن. (فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ) فاحبسوهن في البيوت واجعلوها سجنا عليهن. (حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ) يستوفي أرواحهن الموت ، أو يتوفاهن ملائكة الموت. قيل : كان ذلك عقوبتهن في أوائل الإسلام فنسخ بالحد ، ويحتمل أن يكون المراد به التوصية بإمساكهن بعد أن يجلدن كيلا يجري عليهن ما جرى بسبب الخروج والتعرض للرجال ، لم يذكر الحد استغناء بقوله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي)(أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) كتعيين الحد المخلص عن الحبس ، أو النكاح المغني عن السفاح.
(وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً)(١٦)
(وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) يعني الزانية والزاني. وقرأ ابن كثير (وَالَّذانِ) بتشديد النون وتمكين مد الألف ، والباقون بالتخفيف من غير تمكين. (فَآذُوهُما) بالتوبيخ والتقريع ، وقيل بالتعيير والجلد. (فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما) فاقطعوا عنهما الإيذاء ، أو أعرضوا عنهما بالإغماض والستر. (إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً) علة الأمر بالإعراض وترك المذمة. قيل هذه الآية سابقة على الأولى نزولا وكان عقوبة الزنا الأذى ثم الحبس ثم الجلد. وقيل الأولى في السحاقات وهذه في اللواطين ، والزانية والزاني في الزناة.
(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً)(١٧)
(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ) أي إن قبول التوبة كالمحتوم على الله بمقتضى وعده من تاب عليه إذا قبل توبته. (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ) متلبسين بها سفها فإن ارتكاب الذنب سفه وتجاهل ، ولذلك قيل من عصى الله فهو جاهل حتى ينزع عن جهالته. (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) من زمان قريب ، أي قبل حضور الموت لقوله تعالى : (حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) وقوله عليه الصلاة والسلام : «إن الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر» وسماه قريبا لأن أمد الحياة قريب لقوله تعالى : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ). أو قبل أن يشرب في قلوبهم حبة فيطبع عليها فيتعذر عليهم الرجوع ، و (مِنْ) للتبعيض أي يتوبون في أي جزء من الزمان القريب الذي هو ما قبل أن ينزل بهم سلطان الموت ، أو يزين السوء. (فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ) وعد بالوفاء بما وعد به وكتب على نفسه بقوله : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً) فهو يعلم بإخلاصهم في التوبة (حَكِيماً) والحكيم لا يعاقب التائب.
(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً)(١٨)
(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) سوى بين من سوف يتوب إلى حضور الموت من الفسقة والكفار ، وبين من مات على الكفر في نفي التوبة للمبالغة في عدم الاعتداد بها في تلك الحالة ، وكأنه قال وتوبة هؤلاء وعدم توبة هؤلاء سواء. وقيل المراد بالذين يعملون السوء عصاة المؤمنين ، وبالذين يعملون السيئات المنافقون لتضاعف كفرهم وسوء أعمالهم ، وبالذين يموتون الكفار. (أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) تأكيد لعدم قبول توبتهم ، وبيان أن العذاب أعده لهم لا يعجزه عذابهم متى شاء ، والاعتداد التهيئة من العتاد وهو العدة ، وقيل أصله أعددنا فأبدلت الدال الأولى تاء.