(فَلا وَرَبِّكَ) أي فوربك ، ولا مزيدة لتأكيد القسم لا لتظاهر لا في قوله : (لا يُؤْمِنُونَ) لأنها تزاد أيضا في الإثبات كقوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ). (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) فيما اختلف بينهم واختلط ومنه الشجر لتداخل أغصانه. (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ) ضيقا مما حكمت به ، أو من حكمك أو شكا من أجله ، فإن الشاك في ضيق من أمره. (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) وينقادوا لك انقيادا بظاهرهم وباطنهم.
(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً)(٦٦)
(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) تعرضوا بها للقتل في الجهاد ، أو اقتلوها كما قتل بنو إسرائيل وأن مصدرية أو مفسرة لأن كتبنا في معنى أمرنا. (أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ) خروجهم حين استتيبوا من عبادة العجل ، وقرأ أبو عمرو ويعقوب (أَنِ اقْتُلُوا) بكسر النون على أصل التحريك ، (أَوِ اخْرُجُوا) بضم الواو للاتباع والتشبيه بواو الجمع في نحو قوله تعالى : (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ) وقرأ حمزة وعاصم بكسرهما على الأصل والباقون بضمهما إجراء لهما مجرى الهمزة المتصلة بالفعل. (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) إلا أناس قليل وهم المخلصون. لما بين أن إيمانهم لا يتم إلا بأن يسلموا حق التسليم ، نبه على قصور أكثرهم ووهن إسلامهم ، والضمير للمكتوب ودل عليه كتبنا ، أو لأحد مصدري الفعلين. وقرأ ابن عامر بالنصب على الاستثناء أو على إلا فعلا قليلا. (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ) من متابعة الرسول صلىاللهعليهوسلم مطاوعته طوعا ورغبة. (لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) في عاجلهم وآجلهم. (وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) في دينهم لأنه أشد لتحصيل العلم ونفي الشك أو تثبيتا لثواب أعمالهم ونصبه على التمييز. والآية أيضا مما نزلت في شأن المنافق واليهودي. وقيل إنها والتي قبلها نزلتا في حاطب بن أبي بلتعة خاصم زبيرا في شراج من الجرة كانا يسقيان بها النخل ، فقال عليه الصلاة والسلام : «اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك ، فقال حاطب : لأن كان ابن عمتك. فقال عليه الصلاة والسلام اسق يا زبير ثم احبس الماء إلى الجدر واستوف حقك ، ثم أرسله إلى جارك».
(وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (٦٧) وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً)(٦٨)
(وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً) جواب لسؤال مقدر كأنه قيل ؛ وما يكون لهم بعد التثبيت فقال وإذا لو تثبتوا لآتيناهم لأن (إِذاً) جواب وجزاء.
(وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) يصلون بسلوكه جناب القدس ويفتح عليهم أبواب الغيب ، قال النبي صلىاللهعليهوسلم «من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم».
(وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (٦٩) ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً)(٧٠)
(وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ) مزيد ترغيب في الطاعة بالوعد عليها مرافقة أكرم الخلائق وأعظمهم قدرا. (مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ) بيان للذين أو حال منه ، أو من ضميره قسمهم أربعة بحسب منازلهم في العلم والعمل ، وحث كافة الناس على أن لا يتأخروا عنهم ، وهم : الأنبياء الفائزون بكمال العلم والعمل المتجاوزون حد الكمال إلى درجة التكميل. ثم الصديقون الذين صعدت نفوسهم تارة بمراقي النظر في الحجج والآيات وأخرى بمعارج التصفية والرياضات إلى أوج العرفان ، حتى اطلعوا على الأشياء وأخبروا عنها على ما هي عليها. ثم الشهداء الذين أدى بهم الحرص على الطاعة والجد