وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ)(١٢٧)
(وَهذا) إشارة إلى البيان الذي جاء به القرآن ، أو إلى الإسلام أو إلى ما سبق من التوفيق والخذلان.
(صِراطُ رَبِّكَ) الطريق الذي ارتضاه أو عادته وطريقه الذي اقتضته حكمته. (مُسْتَقِيماً) لا عوج فيه ، أو عادلا مطردا وهو حال مؤكدة كقوله (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً) ، أو مقيدة والعامل فيها معنى الإشارة. (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) فيعلمون أن القادر هو الله سبحانه وتعالى وأن كل ما يحدث من خير أو شر فهو بقضائه وخلقه ، وأنه عالم بأحوال العباد حكيم عادل فيما يفعل بهم.
(لَهُمْ دارُ السَّلامِ) دار الله أضاف الجنة إلى نفسه تعظيما لها ، أو دار السلامة من المكاره أو دار تحيتهم فيها سلام. (عِنْدَ رَبِّهِمْ) في ضمانه أو ذخيرة لهم عنده لا يعلم كنهها غيره. (وَهُوَ وَلِيُّهُمْ) مواليهم أو ناصرهم. (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) بسبب أعمالهم أو متوليهم بجزائها فيتولى إيصاله إليهم.
(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلاَّ ما شاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)(١٢٨)
ويوم نحشرهم جميعا نصب بإضمار اذكر أو نقول ، والضمير لمن يحشر من الثقلين. وقرأ حفص عن عاصم وروح عن يعقوب (يَحْشُرُهُمْ) بالياء. (يا مَعْشَرَ الْجِنِ) يعني الشياطين. (قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ) أي من إغوائهم وإضلالهم ، أو منهم بأن جعلتموهم أتباعكم فحشروا معكم كقولهم استكثر الأمير من الجنود. (وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ) الذين أطاعوهم. (رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ) أي انتفع الإنس بالجن بأن دلوهم على الشهوات وما يتوصل به إليها ، والجن بالإنس بأن أطاعوهم وحصلوا مرادهم. وقيل استمتاع الإنس بهم أنهم كانوا يعوذون بهم في المفاوز وعند المخاوف ، واستمتاعهم بالإنس اعترافهم بأنهم يقدرون على إجارتهم. (وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا) أي البعث وهو اعتراف بما فعلوه من طاعة الشيطان واتباع الهوى وتكذيب البعث وتحسر على حالهم. (قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ) منزلكم أو ذات مثواكم. (خالِدِينَ فِيها) حال والعامل فيها مثواكم إن جعل مصدرا ، ومعنى الإضافة إن جعل مكانا (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) إلا الأوقات التي ينقلون فيها من النار إلى الزمهرير وقيل (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) قبل الدخول كأنه قيل : النار مثواكم أبدا إلا ما أمهلكم. (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ) في أفعاله. (عَلِيمٌ) بأعمال الثقلين وأحوالهم.
(وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٢٩) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ)(١٣٠)
(وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً) نكل بعضهم إلى بعض ، أو نجعل بعضهم يتولى بعضا فيغويهم أو أولياء بعض وقرناءهم في العذاب كما كانوا في الدنيا. (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) من الكفر والمعاصي.
(يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) الرسل من الإنس خاصة ، لكن لما جمعوا مع الجن في الخطاب صح ذلك ونظيره (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) والمرجان يخرج من الملح دون العذب وتعلق بظاهره قوم وقالوا بعث إلى كل من الثقلين رسل من جنسهم. وقيل الرسل من الجن رسل الرسل إليهم لقوله تعالى : (وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ). (يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) يعني يوم القيامة. (قالُوا) جوابا. (شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا) بالجرم والعصيان وهو اعتراف منهم بالكفر واستيجاب العذاب.