آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٨) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ)(٩)
(رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) خبر آخر أو استئناف. وقرأ الكوفيون بالجر بدلا (مِنْ رَبِّكَ). (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) أي إن كنتم من أهل الإيقان في العلوم ، أو كنتم موقنين في إقراركم إذا سئلتم من خلقها؟ فقلتم الله ، علمتم أن الأمر كما قلنا ، أو إن كنتم مريدين اليقين فاعلموا ذلك.
(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) إذ لا خالق سواه. (يُحْيِي وَيُمِيتُ) كما تشاهدون. (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) وقرئا بالجر بدلا (مِنْ رَبِّكَ).
(بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) رد لكونهم موقنين.
(فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ)(١١)
(فَارْتَقِبْ) فانتظر لهم. (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) يوم شدة ومجاعة فإن الجائع يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان من ضعف بصره ، أو لأن الهواء يظلم عام القحط لقلة الأمطار وكثرة الغبار ، أو لأن العرب تسمي الشر الغالب دخانا وقد قحطوا حتى أكلوا جيف الكلاب وعظامها ، وإسناد الإتيان إلى السماء لأن ذلك يكفه عن الأمطار ، أو يوم ظهور الدخان المعدود في أشراط الساعة لما روي أنه عليه الصلاة والسلام لما قال : أول الآيات الدخان ونزول عيسى عليهالسلام ، ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر. قيل وما الدخان فتلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم الآية وقال : «يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة ، أما المؤمن فيصيبه كهيئة الزكام وأما الكافر فهو كالسكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره» أو يوم القيامة والدخان يحتمل المعنيين.
(يَغْشَى النَّاسَ) يحيط بهم صفة للدخان وقوله : (هذا عَذابٌ أَلِيمٌ).
(رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (١٣) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ)(١٤)
(رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) مقدر بقول وقع حالا و (إِنَّا مُؤْمِنُونَ) وعد بالإيمان إن كشف العذاب عنهم.
(أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى) من أين لهم وكيف يتذكرون بهذه الحالة. (وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ) بين لهم ما هو أعظم منها في إيجاب الإذكار من الآيات والمعجزات.
(ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ) أي قال بعضهم يعلمه غلام أعجمي لبعض ثقيف وقال آخرون إنه (مَجْنُونٌ).
(إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ (١٥) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ)(١٦)
(إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ) بدعاء النبي عليه الصلاة والسلام فإنه لما دعا رفع القحط (قَلِيلاً) كشفا قليلا أو زمانا قليلا وهو ما بقي من أعمارهم. (إِنَّكُمْ عائِدُونَ) إلى الكفر غب الكشف ، ومن فسر الدخان بما هو من الأشراط قال إذا جاء الدخان غوّث الكفار بالدعاء فيكشفه الله عنهم بعد الأربعين ، فريثما يكشفه عنهم يرتدون ، ومن فسره بما في القيامة أوّله بالشرط والتقدير :
(يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى) يوم القيامة أو يوم بدر ظرف لفعل دل عليه. (إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) لا لمنتقمون فإن إن تحجزه عنه ، أو بدل من (يَوْمَ تَأْتِي). وقرئ «نبطش» أي نجعل البطشة الكبرى باطشة بهم ، أو تحمل الملائكة على بطشهم وهو التناول بصولة.