أو استئناف مقرر لتساوي محيا كل صنف ومماته في الهدى والضلال ، وقرئ «مماتهم» بالنصب على أن (مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) ظرفان كمقدم الحاج. (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) ساء حكمهم هذا أو بئس شيئا حكموا به ذلك.
(وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)(٢٢)
(وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) كأنه دليل على الحكم السابق من حيث إن خلق ذلك بالحق المقتضي للعدل يستدعي انتصار المظلوم من الظالم ، والتفاوت بين المسيء والمحسن وإذا لم يكن في المحيا كان بعد الممات. (وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) عطف على بالحق لأنه في معنى العلة أو على علة محذوفة مثل ليدل بها على قدرته أو ليعدل (وَلِتُجْزى). (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) بنقص ثواب وتضعيف عقاب ، وتسمية ذلك ظلما ولو فعله الله لم يكن منه ظلما لأنه لو فعله غيره لكان ظلما كالابتلاء والاختبار.
(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٣) وَقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٢٤) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(٢٥)
(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) ترك متابعة الهدى إلى متابعة الهوى فكأنه يعبده ، وقرئ «آلهة هواه» لأنه كان أحدهم يستحسن حجرا فيعبده فإذا رأى أحسن منه رفضه إليه. (وَأَضَلَّهُ اللهُ) وخذله. (عَلى عِلْمٍ) عالما بضلاله وفساد جوهر روحه. (وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ) فلا يبالي بالمواعظ ولا يتفكر في الآيات. (وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) فلا ينظر بعين الاستبصار والاعتبار ، وقرأ حمزة والكسائي «غشوة». (فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ) من بعد إضلاله. (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) وقرئ «تتذكرون».
(وَقالُوا ما هِيَ) ما الحياة أو الحال. (إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) التي نحن فيها. (نَمُوتُ وَنَحْيا) أي نكون أمواتا نطفا وما قبلها ونحيا بعد ذلك ، أو نموت بأنفسنا ونحيا ببقاء أولادنا ، أو يموت بعضنا ويحيا بعضنا ، أو يصيبنا الموت والحياة فيها وليس وراء ذلك حياة ويحتمل أنهم أرادوا به التناسخ فإنه عقيدة أكثر عبدة الأوثان. (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) إلا مرور الزمان وهو في الأصل مدة بقاء العالم من دهره إذا غلبه. (وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ) يعني نسبة الحوادث إلى حركات الأفلاك وما يتعلق بها على الاستقلال ، أو إنكار البعث أو كليهما. (إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) إذ لا دليل لهم عليه وإنما قالوه بناء على التقليد والإنكار لما لم يحسوا به.
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) واضحات الدلالة على ما يخالف معتقدهم أو مبينات له. (ما كانَ حُجَّتَهُمْ) ما كان لهم متشبث يعارضونها به. (إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) وإنما سماه حجة على حسبانهم ومساقهم ، أو على أسلوب قولهم : تحية بينهم ضرب وجيع. فإنه لا يلزم من عدم حصول الشيء حالا امتناعه مطلقا.
(قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ(٢٦) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ)(٢٧)
(قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) على ما دلت عليه الحجج. (ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ) فإن من قدر على الابتداء قدر على الإعادة ، والحكمة اقتضت الجمع للمجازاة على ما قرر مرارا ، والوعد