(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (٣٠) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (٣١) عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (٣٢) كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ)(٣٣)
(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ) يلوم بعضهم بعضا فإن منهم من أشار بذلك ومنهم من استصوبه ، ومنهم من سكت راضيا ، ومنهم من أنكره.
(قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ) متجاوزين حدود الله تعالى.
(عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها) ببركة التوبة والاعتراف بالخطيئة. وقد روي أنهم أبدلوا خيرا منها وقرئ (يُبْدِلَنا) بالتخفيف. (إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ) راجون العفو طالبون الخير و (إِلى) لانتهاء الرغبة ، أو لتضمنها معنى الرجوع.
(كَذلِكَ الْعَذابُ) مثل ذلك العذاب الذي بلونا به أهل مكة وأصحاب الجنة العذاب في الدنيا. (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ) أعظم منه. (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) لاحترزوا عما يؤديهم إلى العذاب.
(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(٣٦)
(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي في الآخرة ، أو في جوار القدس. (جَنَّاتِ النَّعِيمِ) جنات ليس فيها إلا التنعم الخالص.
(أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) إنكار لقول الكفرة ، فإنهم كانوا يقولون : إن صح أنا نبعث كما يزعم محمد ومن معه لم يفضلونا بل نكون أحسن حالا منهم كما نحن عليه في الدنيا.
(ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) التفات فيه تعجب من حكمهم واستبعاد له ، وإشعار بأنه صادر من اختلال فكر واعوجاج رأي.
(أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (٣٨) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ)(٣٩)
(أَمْ لَكُمْ كِتابٌ) من السماء. (فِيهِ تَدْرُسُونَ) تقرؤون.
(إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ) إن لكم ما تختارونه وتشتهونه ، وأصله «أن لكم» بالفتح لأنه المدروس فلما جيء باللام كسرت ، ويجوز أن يكون حكاية للمدروس أو استئنافا وتخير الشيء واختاره أخذ خيره.
(أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا) عهود مؤكدة بالأيمان. (بالِغَةٌ) متناهية في التوكيد ، وقرئت بالنصب على الحال والعامل فيها أحد الظرفين. (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) متعلق بالمقدر في (لَكُمْ) أي ثابتة لكم علينا إلى يوم القيامة لا نخرج عن عهدتها حتى نحكمكم في ذلك اليوم ، أو ب (بالِغَةٌ) أي أيمان تبلغ ذلك اليوم. (إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ) جواب القسم لأن معنى (أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا) أم أقسمنا لكم.
(سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (٤٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ)(٤١)
(سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ) بذلك الحكم قائم يدعيه ويصححه.
(أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ) يشاركونهم في هذا القول. (فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ) في دعواهم إذ لا أقل من التقليد ، وقد نبه سبحانه وتعالى في هذه الآيات على نفي جميع ما يمكن أن يتشبثوا به من عقل أو نقل يدل عليه الاستحقاق أو وعد أو محض تقليد ، على الترتيب تنبيها على مراتب النظر وتزييفا لما لا سند