بأربعة آخرين». وقيل ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله ، ولعله أيضا تمثيل لعظمته بما يشاهد من أحوال السلاطين يوم خروجهم على الناس للقضاء العام وعلى هذا قال :
(يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (١٨) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ(١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ)(٢٠)
(يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ) تشبيها للمحاسبة بعرض السلطان العسكر لتعرف أحوالهم ، وهذا وإن كان بعد النفخة الثانية لكن لما كان اليوم اسما لزمان متسع تقع فيه النفختان والصعقة والنشور والحساب وإدخال أهل الجنة الجنة وأهل النار النار صح جعله ظرفا للكل. (لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) سريرة على الله تعالى حتى يكون العرض للاطلاع عليها ، وإنما المراد منه إفشاء الحال والمبالغة في العدل ، أو على الناس كما قال الله تعالى : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) وقرأ حمزة والكسائي بالياء للفصل.
(فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) تفصيل للعرض. (فَيَقُولُ) تبجحا. (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) هاء اسم لخذ ، وفيه لغات أجودها هاء يا رجل وهاء يا امرأة وهاؤما يا رجلان أو امرأتان ، وهاؤم يا رجال وهاؤن يا نسوة ، ومفعوله محذوف و (كِتابِيَهْ) مفعول (اقْرَؤُا) لأنه أقرب العاملين ، ولأنه لو كان مفعول (هاؤُمُ) لقيل اقرءوه إذ الأولى إضماره حيث أمكن ، والهاء فيه وفي (حِسابِيَهْ) و (مالِيَهْ) و (سُلْطانِيَهْ) للسكت تثبت في الوقف وتسقط في الوصل واستحب الوقف لثباتها في الإمام ولذلك قرئ بإثباتها في الوصل.
(إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) أي علمت ، ولعله عبر عنه بالظن إشعارا بأنه لا يقدح في الاعتقاد ما يهجس في النفس من الخطرات التي لا تنفك عنها العلوم النظرية غالبا.
(فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (٢٢) قُطُوفُها دانِيَةٌ (٢٣) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ)(٢٤)
(فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) ذات رضا على النسبة بالصيغة. أو جعل الفعل لها مجازا وذلك لكونها صافية عن الشوائب دائمة مقرونة بالتعظيم.
(فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) مرتفعة المكان لأنها في السماء ، أو الدرجات أو الأبنية والأشجار.
(قُطُوفُها) جمع قطف وهو ما يجتنى بسرعة والقطف بالفتح المصدر. (دانِيَةٌ) يتناولها القاعد.
(كُلُوا وَاشْرَبُوا) بإضمار القول وجمع الضمير للمعنى. (هَنِيئاً) أكلا وشربا (هَنِيئاً) أو هنئتم (هَنِيئاً). (بِما أَسْلَفْتُمْ) بما قدمتم من الأعمال الصالحة. (فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) الماضية من أيام الدنيا.
(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (٢٦) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (٢٧) ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ)(٢٩)
(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ) لما يرى من قبح العمل وسوء العاقبة. (يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ).
(وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ يا لَيْتَها) يا ليت الموتة التي متها. (كانَتِ الْقاضِيَةَ) القاطعة لأمري فلم أبعث بعدها ، أو يا ليت هذه الحالة كانت الموتة التي قضت علي لأنه صادفها أمر من الموت فتمناه عندها ، أو يا ليت حياة الدنيا كانت الموتة ولم أخلق فيها حيا.
(ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ) مالي من المال والتبع وما نفي والمفعول محذوف ، أو استفهام إنكار مفعول لأغنى.