(عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (٢١) إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً)(٢٢)
(عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ) يعلوهم ثياب الحرير الخضر ما رق منها وما غلظ ، ونصبه على الحال من هم في عليهم أو (حَسِبْتَهُمْ) ، أو (مُلْكاً) على تقدير مضاف أي وأهل ملك كبير عاليهم ، وقرأ نافع (عالِيَهُمْ) وحمزة بالرفع على أنه خبر (ثِيابُ). وقرأ ابن كثير وأبو بكر (خُضْرٌ) بالجر حملا على (سُندُسٍ) بالمعنى فإنه اسم جنس ، (وَإِسْتَبْرَقٌ) بالرفع عطفا على (ثِيابُ) ، وقرأهما حفص وحمزة والكسائي بالرفع ، وقرئ (وَإِسْتَبْرَقٌ) بوصل الهمزة والفتح على أنه استفعل من البريق جعل علما لهذا النوع من الثياب. (وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) عطف على (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ) ولا يخالفه قوله (أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) لإمكان الجمع والمعاقبة والتبعيض ، فإن حلي أهل الجنة تختلف باختلاف أعمالهم ، فلعله تعالى يفيض عليهم جزاء لما عملوه بأيديهم حليا وأنوارا تتفاوت تفاوت الذهب والفضة ، أو حال من الضمير في (عالِيَهُمْ) بإضمار قد ، وعلى هذا يجوز أن يكون هذا للخدم وذلك للمخدومين. (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) يريد به نوعا آخر يفوق على النوعين المتقدمين ولذلك أسند سقيه إلى الله عزوجل ، ووصفه بالطهورية فإنه يطهر شاربه عن الميل إلى اللذات الحسية والركون إلى ما سوى الحق ، فيتجرد لمطالعة جماله ملتذا بلقائه باقيا ببقائه ، وهي منتهى درجات الصديقين ولذلك ختم بها ثواب الأبرار.
(إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً) على إضمار القول والإشارة إلى ما عد من ثوابهم. (وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) مجازى عليه غير مضيع.
(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (٢٣) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً)(٢٤)
(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً) مفرقا منجما لحكمة اقتضته ، وتكرير الضمير مع أن مزيد لاختصاص التنزيل به.
(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) بتأخير نصرك على كفار مكة وغيرهم. (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) أي كل واحد من مرتكب الإثم الداعي لك إليه ومن الغالي في الكفر الداعي لك إليه ، وأو للدلالة على أنهما سيان في استحقاق العصيان والاستقلال به والتقسيم باعتبار ما يدعونه إليه ، فإن ترتب النهي على الوصفين مشعر بأنه لهما وذلك يستدعي أن تكون المطاوعة في الإثم والكفر. فإن مطاوعتهما فيما ليس بإثم ولا كفر غير محظور.
(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٢٥) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً)(٢٦)
(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) وداوم على ذكره أو دم على صلاة الفجر والظهر والعصر فإن الأصيل يتناول وقتيهما.
(وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ) وبعض الليل فصل له تعالى ، ولعل المراد به صلاة المغرب والعشاء وتقديم الظرف لما في صلاة الليل من مزيد الكلفة والخلوص. (وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً) وتهجد له طائفة طويلة من الليل.
(إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (٢٧) نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً)(٢٨)