بِذاتِ الصُّدُورِ) فلا تخفى عليه خافية من أعمالكم.
(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ)(٨)
(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ) لزوال ما ينازع العقل في الدلالة على أن مبدأ الكل منه. (ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ) أعطاه من الخول وهو التعهد ، أو الخول وهو الافتخار. (نِعْمَةً مِنْهُ) من الله. (نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ) أي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه ، أو ربه الذي كان يتضرع إليه و (ما) ؛ مثل الذي في قوله : (وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى). (مِنْ قَبْلُ) من قبل النعمة. (وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ورويس بفتح الياء ، والضلال والإضلال لما كانا نتيجة جعله صح تعليله بهما وإن لم يكونا غرضين. (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً) أمر تهديد فيه إشعار بأن الكفر نوع تشه لا سند له ، وإقناط للكافرين من التمتع في الآخرة ولذلك علله بقوله : (إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) على سبيل الاستئناف للمبالغة.
(أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ)(٩)
(أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ) قائم بوظائف الطاعات. (آناءَ اللَّيْلِ) ساعاته وأم متصلة بمحذوف تقديره الكافر خير أم من هو قانت ، أو منقطعة والمعنى بل (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ) كمن هو بضده ، وقرأ الحجازيان وحمزة بتخفيف الميم بمعنى أمن هو قانت لله كمن جعل له أندادا. (ساجِداً وَقائِماً) حالان من ضمير (قانِتٌ) ، وقرئا بالرفع على الخبر بعد الخبر والواو للجمع بين الصفتين (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) في موضع الحال أو الاستئناف للتعليل. (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) نفي لاستواء الفريقين باعتبار القوة العلمية بعد نفيه باعتبار القوة العملية على وجه أبلغ لمزيد فضل العلم. وقيل تقرير للأول على سبيل التشبيه أي كما لا يستوي العالمون والجاهلون لا يستوي القانتون والعاصون. (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) بأمثال هذه البيانات ، وقرئ «يذكر» بالإدغام.
(قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ)(١٠)
(قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ) بلزوم طاعته. (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) أي للذين أحسنوا بالطاعات في الدنيا مثوبة حسنة في الآخرة. وقيل معناه للذين أحسنوا حسنة في الدنيا هي الصحة والعافية ، وفي هذه بيان لمكان (حَسَنَةٌ). (وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ) فمن تعسر عليه التوفر على الإحسان في وطنه فليهاجر إلى حيث يتمكن منه. (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ) على مشاق الطاعات من احتمال البلاء ومهاجرة الأوطان لها. (أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) أجرا لا يهتدي إليه حساب الحساب ، وفي الحديث إنه «ينصب الموازين يوم القيامة لأهل الصلاة والصدقة والحج فيوفون بها أجورهم ، ولا ينصب لأهل البلاء بل يصب عليهم الأجر صبا حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب به أهل البلاء من الفضل».
(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (١١) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)(١٣)