(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) موحدا له.
(وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) وأمرت بذلك لأجل أن أكون مقدمهم في الدنيا والآخرة ، لأن قصب السبق في الدين بالإخلاص أو لأنه أول من أسلم وجهه لله من قريش ومن دان بدينهم ، والعطف لمغايرة الثاني الأول بتقييده بالعلة ، والإشعار بأن العبادة المقرونة بالإخلاص وإن اقتضت لذاتها أن يؤمر بها فهي أيضا تقتضيه لما يلزمها من السبق في الدين ، ويجوز أن تجعل اللام مزيدة كما في أردت لأن أفعل فيكون أمر بالتقدم في الإخلاص والبدء بنفسه في الدعاء إليه بعد الأمر به.
(قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) بترك الإخلاص والميل إلى ما أنتم عليه من الشرك والرياء. (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) لعظمة ما فيه.
(قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (١٤) فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١٥) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ)(١٦)
(قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) أمر بالإخبار عن إخلاصه وأن يكون مخلصا له دينه بعد الأمر بالإخبار عن كونه مأمورا بالعبادة والإخلاص خائفا عن المخالفة من العقاب قطعا لأطماعهم ، ولذلك رتب عليه قوله :
(فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ) تهديدا وخذلانا لهم. (قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ) الكاملين في الخسران. (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) بالضلال. (وَأَهْلِيهِمْ) بالإضلال. (يَوْمَ الْقِيامَةِ) حين يدخلون النار بدل الجنة لأنهم جمعوا وجوه الخسران. وقيل وخسروا أهليهم لأنهم إن كانوا من أهل النار فقد خسروهم كما خسروا أنفسهم ، وإن كانوا من أهل الجنة فقد ذهبوا عنهم ذهابا لا رجوع بعده. (أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) مبالغة في خسرانهم لما فيه من الاستئناف والتصدير ب (أَلا) ، وتوسيط الفصل وتعريف الخسران ووصفه ب (الْمُبِينُ).
(لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ) شرح لخسرانهم. (وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) أطباق من النار هي ظلل للآخرين. (ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ) ذلك العذاب هو الذي يخوفهم به ليجتنبوا ما يوقعهم فيه. (يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) ولا تتعرضوا لما يوجب سخطي.
(وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ)(١٨)
(وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ) البالغ غاية الطغيان فعلوت منه بتقديم اللام على العين بني للمبالغة في المصدر كالرحموت ، ثم وصف به للمبالغة في النعت ولذلك اختص بالشيطان. (أَنْ يَعْبُدُوها) بدل اشتمال منه. (وَأَنابُوا إِلَى اللهِ) وأقبلوا إليه بشراشرهم عما سواه. (لَهُمُ الْبُشْرى) بالثواب على ألسنة الرسل ، أو الملائكة عند حضور الموت. (فَبَشِّرْ عِبادِ).
(الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) وضع فيه الظاهر موضع ضمير (الَّذِينَ اجْتَنَبُوا) للدلالة على مبدأ اجتنابهم وأنهم نقاد في الدين يميزون بين الحق والباطل ويؤثرون الأفضل فالأفضل. (أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ) لدينه. (وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) العقول السليمة عن منازعة الوهم والعادة ، وفي ذلك دلالة على أن الهداية تحصل بفعل الله وقبول النفس لها.
(أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (١٩) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها