الأمم الماضية يعني وقائعهم ، وجمع (الْأَحْزابِ) مع التفسير أغنى عن جمع اليوم.
(مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ) مثل جزاء ما كانوا عليه دائبا من الكفر وإيذاء الرسل. (وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) كقوم لوط. (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) فلا يعاقبهم بغير ذنب ولا يخلي الظالم منهم بغير انتقام ، وهو أبلغ من قوله : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) من حيث إن المنفي فيه حدوث تعلق إرادته بالظلم.
(وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (٣٢) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ)(٣٣)
(وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ) يوم القيامة ينادي فيه بعضهم بعضا للاستغاثة ، أو يتصايحون بالويل والثبور ، أو يتنادى أصحاب الجنة وأصحاب النار كما حكى في «الأعراف». وقرئ بالتشديد وهو أن يند بعضهم من بعض كقوله (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ).
(يَوْمَ تُوَلُّونَ) عن الموقف. (مُدْبِرِينَ) منصرفين عنه إلى النار. وقيل فارين عنها. (ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) يعصمكم من عذابه. (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ).
(وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ)(٣٤)
(وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ) يوسف بن يعقوب على أن فرعونه فرعون موسى ، أو على نسبة أحوال الآباء إلى الأولاد أو سبطه يوسف بن إبراهيم بن يوسف. (مِنْ قَبْلُ) من قبل موسى. (بِالْبَيِّناتِ) بالمعجزات. (فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ) من الدين. (حَتَّى إِذا هَلَكَ) مات. (قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً) ضما إلى تكذيب رسالته تكذيب رسالة من بعده ، أو جزما بأن لا يبعث من بعده رسول مع الشك في رسالته ، وقرئ «ألن يبعث الله» على أن بعضهم يقرر بعضا بنفي البعث. (كَذلِكَ) مثل ذلك الضلال. (يُضِلُّ اللهُ) في العصيان. (مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ) شاك فيما تشهد به البينات لغلبة الوهم والانهماك في التقليد.
(الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ)(٣٥)
(الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ) بدل من الموصول الأول لأنه بمعنى الجمع. (بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ) بغير حجة بل إما بتقليد أو بشبهة داحضة. (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا) فيه ضمير من وإفراده للفظ ، ويجوز أن يكون (الَّذِينَ) مبتدأ وخبره (كَبُرَ) على حذف مضاف أي : وجدال الذين يجادلون كبر مقتا أو بغير سلطان وفاعل (كَبُرَ كَذلِكَ) أي كبر مقتا مثل ذلك الجدال فيكون قوله : (يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) استئنافا للدلالة على الموجب لجدالهم. وقرأ أبو عمرو وابن ذكوان قلب بالتنوين على وصفه بالتكبر والتجبر لأنه منبعهما كقولهم : رأت عيني وسمعت أذني ، أو على حذف مضاف أي على كل ذي قلب متكبر.
(وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (٣٦) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبابٍ)(٣٧).