(وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً) بناء مكشوفا عاليا من صرح الشيء إذا ظهر. (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ) الطرق.
(أَسْبابَ السَّماواتِ) بيان لها وفي إبهامها ثم إيضاحها تفخيم لشأنها وتشويق للسامع إلى معرفتها.(فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى) عطف على (أَبْلُغُ). وقرأ حفص بالنصب على جواب الترجي ولعله أراد أن يبني له رصدا في موضع عال يرصد منه أحوال الكواكب التي هي أسباب سماوية تدل على الحوادث الأرضية ، فيرى هل فيها ما يدل على إرسال الله إياه ، أو أن يرى فساد قول موسى بأن أخباره من إله السماء يتوقف على اطلاعه ووصوله إليه ، وذلك لا يتأتى إلا بالصعود إلى السماء وهو مما لا يقوى عليه الإنسان ، وذلك لجهله بالله وكيفية استنبائه. (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً) في دعوى الرسالة. (وَكَذلِكَ) ومثل التزيين ، (زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ) سبيل الرشاد ، والفاعل على الحقيقة هو الله تعالى ويدل عليه أنه قرئ زين بالفتح وبالتوسط الشيطان. وقرأ الحجازيان والشامي وأبو عمرو (وَصُدَّ) على أن فرعون صد الناس عن الهدى بأمثال هذه التمويهات والشبهات ويؤيده : (وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ) أي خسار.
(وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (٣٨) يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ) (٣٩)
(وَقالَ الَّذِي آمَنَ) يعني مؤمن آل فرعون. وقيل موسى عليه الصلاة والسلام. (يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ) بالدلالة. (سَبِيلَ الرَّشادِ) سبيلا يصل سالكه إلى المقصود ، وفيه تعريض بأن ما عليه فرعون وقومه سبيل الغي.
(يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ) تمتع يسير لسرعة زوالها. (وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ) لخلودها.
(مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ)(٤٠)
(مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) عدلا من الله ، وفيه دليل على أن الجنايات تغرم بمثلها. (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ) بغير تقدير وموازنة بالعمل بل أضعافا مضاعفة فضلا منه ورحمة ، ولعل تقسيم العمال وجعل الجزاء جملة اسمية مصدرة باسم الإشارة ، وتفضيل الثواب لتغليب الرحمة ، وجعل العمل عمدة والإيمان حالا للدلالة على أنه شرط في اعتبار العمل وأن ثوابه أعلى من ذلك.
(وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (٤١) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ)(٤٢)
(وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ) كرر نداءهم إيقاظا لهم عن سنة الغفلة واهتماما بالمنادي له ، ومبالغة في توبيخهم على ما يقابلون به نصحه ، وعطفه على النداء الثاني الداخل على ما هو بيان لما قبله ولذلك لم يعطف على الأول ، فإن ما بعده أيضا تفسير لما أجمل فيه تصريحا أو تعريضا أو على الأول.
(تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ) بدل أو بيان فيه تعليل والدعاء كالهداية في التعدية بإلى واللام. (وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ) بربوبيته. (عِلْمٌ) والمراد نفي المعلوم والإشعار بأن الألوهية لا بد لها من برهان فاعتقادها لا