الموجودات الممكنة. (وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يحتمل أن يكون تمام كلام الجلود وأن يكون استئنافا.
(وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ) أي كنتم تستترون عن الناس عند ارتكاب الفواحش مخافة الفضاحة ، وما ظننتم أن أعضاءكم تشهد عليكم بها فما استترتم عنها. وفيه تنبيه على أن المؤمن ينبغي أن يتحقق أنه لا يمر عليه حال إلا وهو عليه رقيب. (وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ) فلذلك اجترأتم على ما فعلتم.
(وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ)(٢٤)
(وَذلِكُمْ) إشارة إلى ظنهم هذا ، وهو مبتدأ وقوله : (ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ) خبران له ويجوز أن يكون (ظَنُّكُمُ) بدلا و (أَرْداكُمْ) خبرا. (فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) إذ صار ما منحوا للاستسعاد به في الدارين سببا لشقاء المنزلين.
(فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) لا خلاص لهم عنها. (وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا) يسألوا العتبى وهي الرجوع إلى ما يحبون. (فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) المجابين إليها ونظيره قوله تعالى حكاية (أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) وقرئ «وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين» ، أي إن يسألوا أن يرضوا ربهم فما هم فاعلون لفوات المكنة.
(وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ)(٢٥)
(وَقَيَّضْنا) وقدرنا. (لَهُمْ) للكفرة. (قُرَناءَ) أخدانا من الشياطين يستولون عليهم استيلاء القبض على البيض وهو القشر. وقيل أصل القيض البدل ومنه المقايضة للمعاوضة. (فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) من أمر الدنيا واتباع الشهوات. (وَما خَلْفَهُمْ) من أمر الآخرة وإنكاره. (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) أي كلمة العذاب. (فِي أُمَمٍ) في جملة أمم كقوله :
إن تك عن أحسن الصّنيعة مأ |
|
فوكا ففي آخرين قد أفكوا |
وهو حال من الضمير المجرور. (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) وقد عملوا مثل أعمالهم. (إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) تعليل لاستحقاقهم العذاب ، والضمير (لَهُمْ) ولل (أُمَمٍ).
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ)(٢٧)
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) وعارضوه بالخرافات أو ارفعوا أصواتكم بها لتشوشوه على القارئ ، وقرئ بضم الغين والمعنى واحد يقال لغى يلغي ولغا يلغو إذا هذى. (لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) أي تغلبونه على قراءته.
(فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً) المراد بهم هؤلاء القائلون ، أو عامة الكفار. (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) سيئات أعمالهم وقد سبق مثله.