ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ)(٥٨)
(وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً) أي ضربه ابن الزبعري لما جادل رسول الله صلىاللهعليهوسلم في قوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) أو غيره بأن قال النصارى أهل كتاب وهم يعبدون عيسى عليهالسلام ويزعمون أنه ابن الله والملائكة أولى بذلك ، أو على قوله تعالى : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا) أو أن محمدا يريد أن نعبده كما عبد المسيح. (إِذا قَوْمُكَ) قريش (مِنْهُ) من هذا المثل. (يَصِدُّونَ) يضجون فرحا لظنهم أن الرسول صلىاللهعليهوسلم صار ملزما به. وقرأ نافع وابن عامر والكسائي بالضم من الصدود أي يصدون عن الحق ويعرضون عنه. وقيل هما لغتان نحو يعكف ويعكف.
(وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ) أي آلهتنا خير عندك أم عيسى عليهالسلام فإن يكن في النار فلتكن آلهتنا معه ، أو آلهتنا الملائكة خير أم عيسى عليهالسلام فإذا جاز أن يعبد ويكون ابن الله كانت آلهتنا أولى بذلك ، أو آلهتنا خير أم محمد صلىاللهعليهوسلم فنعبده وندع آلهتنا. وقرأ الكوفيون «أآلهتنا» بتحقيق الهمزتين وألف بعدهما. (ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً) ما ضربوا هذا المثل إلا لأجل الجدل والخصومة لا لتمييز الحق من الباطل. (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) شداد الخصومة حراص على اللجاج.
(إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ)(٦٠)
(إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ) بالنبوة. (وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) أمرا عجيبا كالمثل السائر لبني إسرائيل ، وهو كالجواب المزيح لتلك الشبهة.
(وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ) لولدنا منكم يا رجال كما ولدنا عيسى من غير أب ، أو لجعلنا بدلكم. (مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) ملائكة يخلفونكم في الأرض ، والمعنى أن حال عيسى عليهالسلام وإن كانت عجيبة فإنه تعالى قادر على ما هو أعجب من ذلك ، وأن الملائكة مثلكم من حيث إنها ذوات ممكنة يحتمل خلقها توليدا كما جاز خلقها إبداعا ، فمن أين لهم استحقاق الألوهية والانتساب إلى الله سبحانه وتعالى.
(وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (٦٢)
(وَإِنَّهُ) وإن عيسى عليهالسلام. (لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) لأن حدوثه أو نزوله من أشراط الساعة يعلم به دنوها ، أو لأن احياء الموتى يدل على قدرة الله تعالى عليه. وقرئ «لعلم» أي لعلامة ولذكر على تسمية ما يذكر به ذكرا ، وفي الحديث ينزل عيسى عليهالسلام على ثنية بالأرض المقدسة يقال لها أفيق وبيده حربة يقتل بها الدجال ، فيأتي بيت المقدس والناس في صلاة الصبح فيتأخر الإمام فيقدمه عيسى عليهالسلام ويصلي خلفه على شريعة محمد عليه الصلاة والسلام ، ثم يقتل الخنازير ويكسر الصليب ، ويخرب البيع والكنائس ، ويقتل النصارى إلا من آمن به. وقيل الضمير للقرآن فإن فيه الإعلام بالساعة والدلالة عليها. (فَلا تَمْتَرُنَّ بِها) فلا تشكن فيها. (وَاتَّبِعُونِ) واتبعوا هداي أو شرعي أو رسولي. وقيل هو قول الرسول صلىاللهعليهوسلم أمر أن يقوله. (هذا) الذي أدعوكم إليه. (صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) لا يضل سالكه.
(وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ) عن المتابعة. (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) ثابت عداوته بأن أخرجكم عن الجنة وعرضكم للبلية.