(وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٥١) ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(٥٢)
____________________________________
بالتشديد للتكثير لأن المسالك كانت انثى عشر بعدد الأسباط (فَأَنْجَيْناكُمْ) أى من الغرق بإخراجكم إلى الساحل كما يلوح به العدول إلى صيغة الأفعال بعد إيراد التخليص من فرعون بصيغة التفعيل وكذا قوله تعالى (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ) أريد فرعون وقومه وإنما اقتصر على ذكرهم للعلم بأنه أولى به منهم وقيل شخصه كما روى أن الحسن رضى الله عنه كان يقول اللهم صل على آل محمد أى شخصه واستغنى بذكره عن ذكر قومه. (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) ذلك أو غرقهم وإطباق البحر عليهم أو انفلاق البحر عن طرق يابسة مذللة أو جثثهم التى قذفها البحر إلى الساحل أو ينظر بعضكم بعضا روى أنه تعالى أمر موسى عليهالسلام أن يسرى ببنى إسرائيل فخرج بهم فصبحهم فرعون وجنوده وصادفوهم على شاطئ البحر فأوحى الله تعالى إليه أن اضرب بعصاك البحر فضربه بها فظهر فيه اثنا عشر طريقا يابسا فسلكوها فقالوا نخاف أن يغرق بعض أصحابنا فلا نعلم ففتح الله تعالى فيها كوى فتراءوا وتسامعوا حتى عبروا البحر فلما وصل إليه فرعون فرآه منفلقا اقتحمه هو وجنوده فغشيهم ما غشيهم واعلم أن هذه الواقعة كما أنها لموسى معجزة عظيمة تخر لها أطم الجبال ونعمة عظيمة لأوائل بنى إسرائيل موجبة عليهم شكرها كذلك اقتصاصها على ما هى عليه من رسول الله صلىاللهعليهوسلم معجزة جليلة تطمئن بها القلوب الأبية وتنقاد لها النفوس الغبية موجبة لأعقابهم أن يتلقوها بالإذعان فلا تأثرت أوائلهم بمشاهدتها ورؤيتها ولا تذكرت أواخرهم بتذكيرها وروابتها فيالها من عصابة ما أعصاها وطائفة ما أطغاها. (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) لما عادوا إلى مصر بعد مهلك فرعون وعد الله موسى عليهالسلام أن يعطيه التوراة وضرب له ميقاتا ذا القعدة وعشر ذى الحجة وقيل وعد عليهالسلام بنى إسرائيل وهو بمصر إن أهلك الله عدوهم أتاهم بكتاب من عند الله تعالى فيه بيان ما يأتون وما يذرون فلما هلك فرعون سأل موسى ربه الكتاب فأمره بصوم ثلاثين وهو شهر ذى القعدة ثم زاد عشرا من ذى الحجة وعبر عنها بالليالى لأنها غرر الشهور وصيغة المفاعلة بمعنى الثلاثى وقيل على أصلها تنزيلا لقبول موسى عليهالسلام منزلة الوعد وأربعين ليلة مفعول ثان لواعدنا على حذف المضاف أى بمقام أربعين ليلة وقرىء وعدنا. (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) بتسويل السامرى إلها ومعبودا وثم للتراخى الرتبى (مِنْ بَعْدِهِ) أى من بعد مضيه إلى الميقات على حذف المضاف. (وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) بإشراككم ووضعكم للشىء فى غير موضعه وهو حال من ضمير اتخذتم أو اعتراض تذييلى أى وأنتم قوم عادتكم الظلم. (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ) حين تبتم والعفو محو الجريمة من عفاه درسه وقد يجىء لازما قال[عرفت المنزل الخالى عفا من بعد أحوال] [عفاه كل هتان كثير الوبل هطال] وقوله تعالى (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أى من بعد الاتخاذ الذى هو متناه فى القبح للإيذان بكمال بعد العفو بعد تلك المرتبة من الظلم. (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) لكى تشكروا نعمة العفو وتستمروا بعد ذلك على الطاعة.