(وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ)(٦١)
____________________________________
من آس الجنة ولها شعبتان تتقدان فى الظلمة (فَانْفَجَرَتْ) عطف على مقدر ينسحب عليه الكلام قد حذف للدلالة على كمال سرعة تحقق الانفجار كأنه حصل عقيب الأمر بالضرب أى فضرب فانفجرت (مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) وأما تعلق الفاء بمحذوف أى فإن ضربت فقد انفجرت فغير حقيق بجلالة شأن النظم الكريم كما لا يخفى على أحد وقرىء عشرة بكسر الشين وفتحها وهما أيضا لغتان (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ) كل سبط (مَشْرَبَهُمْ) عينهم الخاصة بهم (كُلُوا وَاشْرَبُوا) على إرادة القول (مِنْ رِزْقِ اللهِ) هو ما رزقهم من المن والسلوى والماء وقيل هو الماء وحده لأنه يؤكل ما ينبت به من الزروع والثمار ويأباه أن المأمور به أكل النعمة العتيدة لا ما سيطلبونه وإضافته إليه تعالى مع استناد الكل إليه خلقا وملكا إما للتشريف وإما لظهوره بغير سبب عادى وإنما لم يقل من رزقنا كما يقتضيه قوله تعالى (فَقُلْنَا) الخ إيذانا بأن الأمر بالأكل والشرب لم يكن بطريق الخطاب بل بواسطة موسى عليهالسلام (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ) العثى أشد الفساد فقيل لهم لا تتمادوا فى الفساد حال كونكم (مُفْسِدِينَ) وقيل إنما قيد به لأن العثى فى الأصل مطلق التعدى وإن غلب فى الفساد وقد يكون فى غير الفساد كما فى مقابلة الظالم المعتدى بفعله وقد يكون فيه صلاح راجح كقتل الخضر عليهالسلام للغلام وخرقه للسفينة ونظيره العبث خلا أنه غالب فيما يدرك حسا (وَإِذْ قُلْتُمْ) تذكير لجناية أخرى لأسلافهم وكفرانهم لنعمة الله عزوجل وإخلادهم إلى ما كانوا فيه من الدناءة والخساسة وإسناد القول المحكى إلى أخلاقهم وتوجيه التوبيخ إليهم لما بينهم من الاتحاد (يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ) لعلهم لم يريدوا بذلك جمع ما طلبوا مع ما كان لهم من النعمة ولا زوالها وحصول ما طلبوا مكانها إذ يأباه التعرض للوحدة بل أرادوا أن يكون هذا تارة وذاك أخرى. روى أنهم كانوا فلاحة فنزعوا إلى عكرهم فأجمعوا ما كانوا فيه من النعمة العتيدة لوحدتها النوعية واطرادها وتاقت أنفسهم إلى الشقاء (فَادْعُ لَنا رَبَّكَ) أى سله لأجلنا بدعائك إياه والفاء لسببية عدم الصبر المدعاء والتعرض لعنوان الربوبية لتمهيد مبادى الإجابة (يُخْرِجْ لَنا) أى يظهر لنا ويوجد والجزم لجواب الأمر (مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) إسناد مجازى بإقامة القابل مقام الفاعل ومن تبعيضية والتى فى قوله تعالى (مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها) بيانية واقعة موقع الحال أى كائنا من بقلها الخ وقيل بدل بإعادة الجار والبقل ما تنبت الأرض من الخضر والمراد به أطايبه التى تؤكل كالنعناع والكرفس والكراث وأشباهها والفوم الحنطة وقيل الثوم وقرىء قثائها بضم القاف وهو لغة فيه (قالَ) أى الله تعالى أو موسى عليهالسلام