(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(٦٢)
____________________________________
أن تثنيتها وجمعها ليسا على الحقيقة ولذلك جاء الذى بمعنى الذين (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) أى بألسنتهم فقط وهم المنافقون بقرينة انتظامهم فى سلك الكفرة والتعبير عنهم بذلك دون عنوان النفاق للتصريح بأن تلك المرتبة وإن عبر عنها بالإيمان لا تجديهم نفعا أصلا ولا تنقذهم من ورطة الكفر قطعا (وَالَّذِينَ هادُوا) أى تهودوا من هاد إذا دخل فى اليهودية ويهود إما عربى من هاد إذا تاب سموا بذلك حين تابوا من عبادة العجل وخصوا به لما كانت توبتهم توبة هائلة وإما معرب يهوذا كأنهم سموا باسم أكبر أولاد يعقوب عليه الصلاة والسلام (وَالنَّصارى) جمع نصران كندامى جمع ندمان يقال رجل نصران وامرأة نصرانة والياء فى نصرانى للمبالغة كما فى أحمرى سموا بذلك لأنهم نصروا المسيح عليهالسلام أو لأنهم كانوا معه فى قرية يقال لها نصران فسموا باسمها أو نسبوا إليها والياء للنسبة وقال الخليل واحد النصارى نصرى كمهرى ومهارى (وَالصَّابِئِينَ) هم قوم بين النصارى والمجوس وقيل أصل دينهم دين نوح عليهالسلام وقيل هم عبدة الملائكة وقيل عبدة الكواكب فهو إن كان عربيا فمن صبأ إذا خرج من دين إلى آخر وقرىء بالياء إما للتخفيف وإما لأنه من صبأ إذا مال لما أنهم مالوا من سائر الأديان إلى ما هم فيه أو من الحق إلى الباطل (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أى من أحدث من هذه الطوائف إيمانا خالصا بالمبدأ والمعاد على الوجه اللائق (وَعَمِلَ) عملا (صالِحاً) حسبما يقتضيه الإيمان بما ذكر (فَلَهُمْ) بمقابلة ذلك (أَجْرُهُمْ) الموعود لهم (عِنْدَ رَبِّهِمْ) أى مالك أمرهم ومبلغهم إلى كمالهم اللائق فمن إما فى محل الرفع على الابتداء خبره جملة فلهم أجرهم والفاء لتضمن الموصول معنى الشرط كما فى قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ) الآية وجمع الضمائر الثلاثة باعتبار معنى الموصول كما أن إفراد ما فى الصلة باعتبار لفظه والجملة كما هى خبر إن والعائد إلى اسمها محذوف أى من آمن منهم الخ وإما فى محل النصب على البدلية من اسم إن وما عطف عليه وخبرها فلهم أجرهم وعند متعلق بما تعلق به لهم من معنى الثبوت وفى إضافته إلى الرب المضاف إلى ضميرهم مزيد لطف بهم وإيذان بأن أجرهم متيقن الثبوت مأمون من الفوات (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) عطف على جملة فلهم أجرهم أى لا خوف عليهم حين يخاف الكفار العقاب (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) حين يحزن المقصرون على تضييع العمر وتفويت الثواب والمراد بيان دوام انتفائهما لا بيان انتفاء دوامهما كما يوهمه كون الخبر فى الجملة الثانية مضارعا لما مر من أن النفى وإن دخل على نفس المضارع يفيد الدوام والاستمرار بحسب المقام هذا وقد قيل المراد بالذين آمنوا المتدينون بدين الإسلام المخلصون منهم والمنافقون فحينئذ لابد من تفسير من آمن بمن اتصف منهم بالإيمان الخالص بالمبدأ والمعاد على الإطلاق سواء كان ذلك بطريق الثبات والدوام عليه كإيمان المخلصين أو بطريق إحداثه وإنشائه كإيمان من عداهم من المنافقين وسائر الطوائف وفائدة التعميم للمخلصين مزيد ترغيب الباقين فى الإيمان ببيان أن تأخيرهم