(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٦٣) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ)(٦٤)
____________________________________
فى الاتصاف به غير مخل بكونهم أسوة لأولئك الأقدمين فى استحقاق الأجر وما يتبعه من الأمن الدائم وأما ما قيل فى تفسيره من كان منهم فى دينه قبل أن ينسخ مصدقا بقلبه بالمبدأ والمعاد عاملا بمقتضى شرعه فمما لا سبيل إليه أصلا لأن مقتضى المقام هو الترغيب فى دين الإسلام وأما بيان حال من مضى على دين آخر قبل انتساخه فلا ملابسة له بالمقام قطعا بل ربما يخل بمقتضاه من حيث دلالته على حقيته فى زمانه فى الجملة على أن المنافقين والصابئين لا يتسنى فى حقهم ما ذكر أما المنافقون فإن كانوا من أهل الشرك فالأمر بين وإن كانوا من أهل الكتاب فمن مضى منهم قبل النسخ ليسوا بمنافقين وأما الصابئون فليس لهم دين يجوز رعايته فى وقت من الأوقات ولو سلم أنه كان لهم دين سماوى ثم خرجوا عنه فمن مضى من أهل ذلك الدين قبل خروجهم منه فليسوا من الصابئين فكيف يمكن ارجاع الضمير الرابط بين اسم إن وخبرها إليهم أو إلى المنافقين وارتكاب إرجاعه إلى مجموع الطوائف من حيث هو مجموع لا إلى كل واحدة منها قصدا إلى درج الفريق المذكور فيه ضرورة أن من كان من أهل الكتاب عاملا بمقتضى شرعه قبل نسخه من مجموع الطوائف بحكم اشتماله على اليهود والنصارى وإن لم يكن من المنافقين والصابئين مما يجب تنزيه ساحة التنزيل عن أمثاله على أن المخلصين مع اندارجهم فى حيز اسم إن ليس لهم فى حيز خبرها عين ولا أثر فتأمل وكن على الحق المبين (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) تذكير لجناية أخرى لأسلافهم أى واذكروا وقت أخذنا لميثاقكم بالمحافظة على ما فى التوراة (وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) عطف على قوله أخذنا أو حال أى وقد رفعنا فوقكم الطور كأنه ظلة. روى أن موسى عليهالسلام لما جاءهم بالتوراة فرأوا ما فيها من التكاليف الشاقة كبرت عليهم فأبوا قبولها فأمر جبريل عليهالسلام فقلع الطور فظلله عليهم حتى قبلوا (خُذُوا) على إرادة القول (ما آتَيْناكُمْ) من الكتاب (بِقُوَّةٍ) بجد وعزيمة (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) أى احفظوه ولا تنسوه أو تفكروا فيه فإنه ذكر بالقلب أو اعملوا به (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) لكى تتقوا المعاصى أو لتنجوا من هلاك الدارين أو رجاء منكم أن تنتظموا فى سلك المتقين أو طلبا لذلك وقد مر تحقيقه (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) أى أعرضتم عن الوفاء بالميثاق (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) من بعد أخذ ذلك الميثاق المؤكد (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) بتوفيقكم للتوبة أو بمحمد صلىاللهعليهوسلم حيث يدعوكم إلى الحق ويهديكم إليه (لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) أى المغبونين بالانهماك فى المعاصى والخبط فى مهاوى الضلال عند الفترة وقيل لو لا فضل تعالى عليكم بالإمهال وتأخير العذاب لكنتم من الهالكين وهو الأنسب بما بعده وكلمة لو لا إما بسيطة أو مركبة من لو الامتناعية وحرف النفى ومعناها امتناع الشىء لوجود غيره كما أن لو لامتناعه لامتناع غيره والاسم الواقع بعدها عند سيبويه مبتدأ خبره محذوف وجوبا لدلالة الحال عليه وسد الجواب