(فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(٧٣)
____________________________________
بين صيغتى الماضى والمستقبل للدلالة على الاستمرار وإنما أعمل مخرج لأنه حكاية حال ماضية (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ) عطف على فادارأتم وما بينهما اعتراض والالتفات لتربية المهابة والضمير للنفس والتذكير باعتبار أنها عبارة عن الرجل أو بتأويل الشخص أو القتيل (بِبَعْضِها) أى ببعض البقرة أى بعض كان وقيل بأصغريها وقيل بلسانها وقيل بفخذها اليمنى وقيل بأذنها وقيل بعجبها وقيل بالعظم الذى يلى الغضروف وهذا أول القصة كما ينبئ عنه الضمير الراجع إلى البقرة كأنه قيل وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها فقلنا اذبحوا بقرة فاضربوه ببعضها وإنما غير الترتيب عند الحكاية لتكرير التوبيخ وتثنية التقريع فإن كل واحد من قتل النفس المحرمة والاستهزاء برسول الله صلىاللهعليهوسلم والافتيات على أمره وترك المسارعة إلى الامتثال به جناية عظيمة حقيقة بأن تنعى عليهم بحيالها ولو حكيت القصة على ترتيب الوقوع لما علم استقلال كل منها بما يخص بها من التوبيخ وإنما حكى الأمر بالذبح عن موسى عليهالسلام مع أنه من الله عزوجل كالأمر بالضرب لما أن جناياتهم كانت بمراجعتهم إليه عليهالسلام والافتيات على رأيه (كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) على إرادة قول معطوف على مقدر ينسحب عليه الكلام أى فضربوه فحيى وقلنا كذلك يحيى الخ فحذفت الفاء الفصيحة فى فحيى مع ما عطف بها وما عطف هو عليه لدلالة كذلك على ذلك فالخطاب فى كذلك حينئذ للحاضرين عند حياة القتيل ويجوز أن يكون ذلك للحاضرين عند نزول الآية الكريمة فلا حاجة حينئذ إلى تقدير القول بل تنتهى الحكاية عند قوله تعالى (بِبَعْضِها) مع ما قدر بعده فالجملة معترضة أى مثل ذلك الإحياء العجيب يحيى الله الموتى يوم القيامة (وَيُرِيكُمْ آياتِهِ) ودلائله الدالة على أنه تعالى على كل شىء قدير ويجوز أن يراد بالآيات هذا الإحياء والتعبير عنه بالجمع لاشتماله على أمور بديعة من ترتب الحياة على عضوميت وإخباره بقاتله وما يلابسه من الأمور الخارقة للعادة (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أى لكى تكمل عقولكم وتعلموا أن من قدر على إحياء نفس قدر على إحياء الأنفس كلها أو تعلموا على قضية عقولكم ولعل الحكمة فى اشتراط ما اشترط فى الإحياء مع ظهور كمال قدرته على إحيائه ابتداء بلاواسطة أصلا اشتماله على التقرب إلى الله تعالى وأداء الواجب ونفع اليتيم والتنبيه على بركة التوكل على الله تعالى والشفقة على الأولاد ونفع بر الوالدين وأن من حق الطالب أن يقدم قربة ومن حق المتقرب أن يتحرى الأحسن ويغالى بثمنه كما يروى عن عمر رضى الله عنه أنه ضحى بنجيبة اشتراها بثلثمائة دينار وأن المؤثر هو الله تعالى وإنما الأسباب أمارات لا تأثير لها وأن من رام أن يعرف أعدى عدوه الساعى فى إماتته الموت الحقيقى فطريقه أن يذبح بقرة نفسه التى هى قوته الشهوية حين زال عنها شره الصبا ولم يلحقها ضعف الكبر وكانت معجبة رائقة المنظر غير مذللة فى طلب الدنيا مسلمة عن دنسها لاسمة بها من قبائحها بحيث يتصل أثره إلى نفسه فيحيا بها حياة طيبة ويعرب عما به ينكشف الحال ويرتفع ما بين العقل والوهم من التدارؤ والجدال (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ) الخطاب لمعاصرى النبى صلىاللهعليهوسلم والقسوة عبارة عن الغلظ والجفاء والصلابة كما فى الحجر استعيرت لنبو قلوبهم عن التأثر