(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(٧٤)
____________________________________
بالعظات والقوارع التى تميع منها الجبال وتلين بها الصخور وإيراد الفعل المفيد لحدوث القساوة مع أن قلوبهم لم تزل قاسية لما أن المراد بيان بلوغهم إلى مرتبة مخصوصة من مراتب القساوة حادثة وإما لأن الاستمرار على شىء بعد ورود ما يوجب الإقلاع عنه أمر جديد وصنع حادث وثم لاستبعاد القسوة بعد مشاهدة ما يزيلها كقوله تعالى (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) إشارة إلى ما ذكر من إحياء القتيل أو إلى جميع ما عدد من الآيات الموجبة للين القلوب وتوجيهها نحو الحق أى من بعد سماع ذلك وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلته وعلو طبقته وتوحيد حرف الخطاب مع تعدد المخاطبين إما بتأويل الفريق أو لأن المراد مجرد الخطاب لا تعيين المخاطب كما هو المشهور (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ) فى القساوة (أَوْ أَشَدُّ) منها (قَسْوَةً) أى هى فى القسوة مثل الحجارة أو زائدة عليها فيها أو أنها مثلها أو مثل ما هو أشد منها قسوة كالحديد فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ويعضده القراءة بالجر عطفا على الحجارة وإيراد الجملة اسمية مع كون ما سبق فعلية للدلالة على استمرار قساوة قلوبهم والفاء إما لتفريع مشابهتها لها على ما ذكر من القساوة تفريع التشبيه على بيان وجه الشبه فى قولك احمر خده فهو كالورد وإما للتعليل كما فى قولك اعبد ربك فالعبادة حق له وإنما لم يقل أو أقسى منها لما فى التصريح بالشدة من زيادة مبالغة ودلالة ظاهرة على اشتراك القسوتين فى الشدة واشتمال المفضل على زيادة وأو للتخيير أو للترديد بمعنى أن من عرف حالها شبهها بالحجارة أو بما هو أقسى أو من عرفها شبهها بالحجارة أو قال هى أقسى من الحجارة وترك ضمير المفضل عليه للأمن من الالتباس (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ) بيان لأشدية قلوبهم من الحجارة فى القساوة وعدم التأثر واستحالة صدور الخير منها يعنى أن الحجارة ربما تتأثر حيث يكون منها ما يتفجر منه المياه العظيمة (وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ) أى يتشقق (فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ) أى العيون (وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) أى يتردى من الأعلى إلى الأسفل بقضية ما أودعه الله عزوجل فيها من الثقل الداعى إلى المركز وهو مجاز من الانقياد لأمره تعالى والمعنى أن الحجارة ليس منها فرد إلا وهو منقاد لأمره عز وعلا آت بما خلق له من غير استعصاء وقلوبهم ليست كذلك فتكون أشد منها قسوة لا محالة واللام فى لما لام الابتداء دخلت على اسم إن لتقدم الخبر وقرىء إن على أنها مخففة من الثقيلة واللام فارقة وقرىء يهبط بالضم. (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) عن متعلقة بغافل وما موصولة والعائد محذوف أو مصدرية وهو وعيد شديد على ما هم عليه من قساوة القلوب وما يترتب عليها من الأعمال السيئة وقرىء بالياء على الالتفات. وقوله تعالى