(أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ)(٧٧)٢ البقرة
____________________________________
مما لا يكاد يصدر عن العاقل أى أتحدثونهم بذلك ليحتجوا عليكم به فيبكتوكم والمحدثون به وإن لم يحوموا حول ذلك الغرض لكن فعلهم ذلك لما كان مستتبعا له البتة جعلوا فاعلين للغرض المذكور إظهارا لكمال سخافة عقولهم وركاكة آرائهم (عِنْدَ رَبِّكُمْ) أى فى حكمه وكتابه كما يقال هو عند الله كذا أى فى كتابه وشرعه وقيل عند ربكم يوم القيامة ورد عليه بأن الإخفاء لا يدفعه إذ هم عالمون بأنهم محجوجون يومئذ حدثوا به أو لم يحدثوا والاعتذار بأن إلزام المؤمنين إياهم وتبكيتهم بأن يقولوا لهم ألم تحدثونا بما فى كتابكم فى الدنيا من حقية ديننا وصدق نبينا أفحش فيجوز أن يكون المحذور عندهم هذا الإلزام بإرجاع الضمير فى به إلى التحديث دون المحدث به ولا ريب فى أنه مدفوع بالإخفاء لا تساعده الآية الكريمة الآتية كما سنقف عليه بإذن الله عزوجل (أَفَلا تَعْقِلُونَ) من تمام التوبيخ والعتاب والفاء للعطف على مقدر ينسحب عليه الكلام أى ألا تلاحظون فلا تعقلون هذا الخطأ الفاحش أو شيئا من الأشياء التى من جملتها هذا فالمنكر عدم التعقل ابتداء أو أتفعلون ذلك فلا تعقلون بطلانه مع وضوحه حتى تحتاجون إلى التنبيه عليه فالمنكر حينئذ عدم التعقل بعد الفعل هذا وأما ما قيل من أنه خطاب من جهة الله سبحانه للمؤمنين متصل بقوله تعالى (أَفَتَطْمَعُونَ) والمعنى أفلا تعقلون حالهم وأن لا مطمع لكم فى إيمانهم فيأباه قوله تعالى (أَوَلا يَعْلَمُونَ) فإنه إلى آخره تجهيل لهم من جهته تعالى فيما حكى عنهم فيكون إيراد خطاب المؤمنين فى أثنائه من قبيل الفصل بين الشجر ولحائه على أن فى تخصيص الخطاب بالمؤمنين من التعسف وفى تعميمه للنبى أيضا صلىاللهعليهوسلم كما فى أفتطمعون من سوء الأدب ما لا يخفى والهمزة للإنكار والتوبيخ كما قبلها والواو للعطف على مقدر ينساق إليه الذهن والضمير للموبخين أى أيلومونهم على التحديث المذكور مخافة المحاجة ولا يعلمون (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ) أى يسرونه فيما بينهم من المؤمنين أو ما يضمرونه فى قلوبهم فيثبت الحكم فى ذلك بالطريق الأولى (وَما يُعْلِنُونَ) أى يظهرونه للمؤمنين أو لأصحابهم حسبما سبق فحينئذ يظهر الله تعالى للمؤمنين ما أرادوا إخفاءه بواسطة الوحى إلى النبى صلىاللهعليهوسلم فتحصل المحاجة ويقع التبكيت كما وقع فى آية الرجم وتحريم بعض المحرمات عليهم فأى فائدة فى اللوم والعتاب ومن ههنا تبين أن المحذور عندهم هو المحاجة بما فتح الله عليهم وهى حاصلة فى الدارين حدثوا به أم لا لا بالتحديث به حتى يندفع بالإخفاء وقيل الضمير للمنافقين فقط أو لهم وللموبخين أو لآبائهم المحرفين أى أيفعلون ما يفعلون ولا يعلمون أن الله يعلم جميع ما يسرون وما يعلنون ومن جملته إسرارهم الكفر وإظهارهم الإيمان وإخفاء ما فتح الله عليهم وإظهار غيره وكتم أمر الله وإظهار ما أظهروه افتراء وإنما قدم الإسرار على الإعلان للإيذان بافتضاحهم ووقوع ما يحذرونه من أول الأمر والمبالغة فى بيان شمول علمه المحيط لجميع المعلومات كأن علمه بما يسرونه أقدم منه بما يعلنونه مع كونهما فى الحقيقة على السوية فإن علمه تعالى بمعلوماته ليس بطريق حصول صورها بل وجود كل شىء فى نفسه علم بالنسبة إليه تعالى وفى