(وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ)(٨٨)
____________________________________
أتبعه إياه أى أرسلناهم على أثره كقوله تعالى (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا) وهم يوشع وأشمويل وشمعون وداود وسليمان وشعيا وأرميا وعزير وحزقيل وإلياس واليسع ويونس وزكريا ويحيى وغيرهم عليهم الصلاة والسلام (وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ) المعجزات الواضحات من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص والإخبار بالمغيبات أو الإنجيل وعيسى بالسريانية أيشوع ومعناه المبارك ومريم بمعنى الخادم وهو بالعبرية من النساء كالزير من الرجال وبه فسر قول رؤبة[قلت لزير لم تصله مريمه ضليل أهواء الصبا تندمه] ووزنه مفعل إذ لم يثبت فعيل (وَأَيَّدْناهُ) أى قويناه وقرىء وآيدناه (بِرُوحِ الْقُدُسِ) بضم الدال وقرىء بسكونها أى بالروح المقدسة وهى روح عيسى عليهالسلام كقولك حاتم الجود ورجل صدق وإنما وصفت بالقدس لكرامته أو لأنه عليهالسلام لم تضمه الأصلاب ولا أرحام الطوامث وقيل بجبريل عليهالسلام وقيل بالإنجيل كما قيل فى القرآن روحا من أمرنا وقيل باسم الله الأعظم الذى كان يحيى الموتى بذكره وتخصيصه من بين الرسل عليهمالسلام بالذكر ووصفه بما ذكر من إيتاء البينات والتأييد بروح القدس لما أن بعثتهم كانت لتنفيذ أحكام التوراة وتقريرها وأما عيسى عليهالسلام فقد نسخ بشرعه كثير من أحكامها ولحسم مادة اعتقادهم الباطل فى حقه عليهالسلام ببيان حقيته وإظهار كمال قبح ما فعلوا به عليهالسلام (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ) من أولئك الرسل (بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ) من الحق الذى لا محيد عنه أى لا تحبه من هوى كفرح إذا أحب والتعبير عنه بذلك للإيذان بأن مدار الرد والقبول عندهم هو المخالفة لأهواء أنفسهم والموافقة لها لا شىء آخر وتوسيط الهمزة بين الفاء وما تعلقت به من الأفعال السابقة لتوبيخهم على تعقيبهم ذلك بهذا وللتعجيب من شأنهم ويجوز كون الفاء للعطف على مقدر يناسب المقام أى ألم تطيعوهم فكلما جاءكم رسول منهم بما لا تهوى أنفسكم (اسْتَكْبَرْتُمْ) عن الاتباع له والإيمان بما جاء به من عند الله تعالى (فَفَرِيقاً) منهم (كَذَّبْتُمْ) من غير أن تتعرضوا لهم بشىء آخر من المضار والفاء للسببية أو للتعقيب (وَفَرِيقاً) آخر منهم (تَقْتُلُونَ) غير مكتفين بتكذيبهم كزكريا ويحيى وغيرهما عليهمالسلام وتقديم فريقا فى الموضعين للاهتمام وتشويق السامع إلى ما فعلوا بهم لا للقصر وإيثار صيغة الاستقبال فى القتل لاستحضار صورته الهائلة أو للإيماء إلى أنهم بعد على تلك النية حيث هموا بما لم ينالوه من جهته عليهالسلام وسحروه وسمموا له الشاة حتى قال صلىاللهعليهوسلم ما زالت أكلة خيبر تعاودنى فهذا أو ان قطعت أبهرى (وَقالُوا) بيان لفن آخر من قبائحهم على طريق الالتفات إلى الغيبة إشعارا بإبعادهم عن رتبة الخطاب لما فصل من مخازيهم الموجبة للإعراض عنهم وحكاية نظائرها لكل من يفهم بطلانها وقباحتها من أهل الحق والقائلون هم الموجودون فى عصر النبى عليه الصلاة والسلام (قُلُوبُنا غُلْفٌ) جمع أغلف مستعار من الأغلف الذى لم يختن أى مغشاة بأغشية جبلية لا يكاد يصل إليها ما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم ولا تفقهه كقولهم قلوبنا فى أكنة مما تدعوننا إليه وقيل هو تخفيف غلف جمع غلاف ويؤيده ما روى عن أبى عمرو من القراءة بضمتين يعنون أن قلوبنا أوعية للعلوم فنحن مستغنون بما عندنا عن