(وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ)(٨٩)
____________________________________
غيره قاله ابن عباس وعطاء وقال الكلبى يعنون أن قلوبنا لا يصل إليها حديث إلا وعته ولو كان فى حديثك خير لوعته أيضا (بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ) رد لما قالوه وتكذيب لهم فى ذلك والمعنى على الأول بل أبعدهم الله سبحانه عن رحمته بأن خذلهم وخلاهم وشأنهم بسبب كفرهم العارض وإبطالهم لاستعدادهم بسوء اختيارهم بالمرة وكونهم بحيث لا ينفعهم الألطاف أصلا بعد أن خلقهم على الفطرة والتمكن من قبول الحق وعلى الثانى بل أبعدهم من رحمته فأنى لهم ادعاء العلم الذى هو أجل آثارها وعلى الثالث بل أبعدهم من رحمته فلذلك لا يقبلون الحق المؤدى إليها (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) ما مزيدة للمبالغة أى فإيمانا قليلا يؤمنون وهو إيمانهم ببعض الكتاب وقيل فزمانا قليلا يؤمنون وهو ما قالوا آمنوا بالذى أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره وكلاهما ليس بإيمان حقيقة وقيل أريد بالقلة العدم والفاء لسببية اللعن لعدم الإيمان (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ) هو القرآن وتنكيره للتفخيم ووصفه بقوله عزوجل (مِنْ عِنْدِ اللهِ) أى كائن من عنده تعالى للتشريف (مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ) من التوراة عبر عنها بذلك لما أن المعية من موجبات الوقوف على ما فى تضاعيفها المؤدى إلى العلم بكونه مصدقا لها وقرىء مصدقا على أنه حال من كتاب لتخصصه بالوصف (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ) أى من قبل مجيئه (يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) أى وقد كانوا قبل مجيئه يستفتحون به على المشركين ويقولون اللهم انصرنا بالنبى المبعوث فى آخر الزمان الذى نجد نعته فى التوراة ويقولون لهم قد أظل زمان نبى يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وإرم وقال ابن عباس وقتادة والسدى نزلت فى بنى قريظة والنضير كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل مبعثه وقيل معنى يستفتحون يفتتحون عليهم ويعرفونهم بأن نبيا يبعث منهم قد قرب أوانه والسين للمبالغة كما فى استعجب أى يسألون من أنفسهم الفتح عليهم أو يسأل بعضهم بعضا أن يفتح عليهم وعلى التقديرين فالجملة حالية مفيدة لكمال مكابرتهم وعنادهم وقوله عز وعلا (فَلَمَّا جاءَهُمْ) تكرير للأول لطول العهد بتوسط الجملة الحالية وقوله تعالى (ما عَرَفُوا) عبارة عما سلف من الكتاب لأن معرفة من أنزل هو عليه معرفة له والاستفتاح به استفتاح به وإيراد الموصول دون الاكتفاء بالإضمار لبيان كمال مكابرتهم فإن معرفة ما جاءهم من مبادى الإيمان به ودواعيه لا محالة والفاء للدلالة على تعقيب مجيئه للاستفتاح به من غير أن يتخلل بينهما مدة منسية له وقوله تعالى (كَفَرُوا بِهِ) جواب لما الأولى كما هو رأى المبرد أو جوابهما معا كما قاله أبو البقاء وقيل جواب الأولى محذوف لدلالة المذكور عليه فيكون قوله تعالى (وَكانُوا) الخ جملة معطوفة على الشرطية عطف القصة على القصة والمراد بما عرفوا النبىصلىاللهعليهوسلم كما هو المراد بما كانوا يستفتحون به فالمعنى ولما جاءهم كتاب مصدق لكتابهم كذبوه وكانوا من قبل مجيئه يستفتحون بمن أنزل عليه ذلك الكتاب فلما جاءهم النبى الذى عرفوه كفروا به (فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) اللام للعهد