(بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (٩٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(٩١)
____________________________________
أى عليهم ووضع المظهر موضع المضمر للإشعار بأن حلول اللعنة عليهم بسبب كفرهم كما أن الفاء للإيذان بترتبها عليه أو للجنس وهم داخلون فى الحكم دخولا أوليا إذ الكلام فيهم وأياما كان فهو محقق لمضمون قوله تعالى (بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ) (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) ما نكرة بمعنى شىء منصوبة مفسرة لفاعل بئس واشتروا صفته أى بئس شيئا باعوا به أنفسهم وقيل اشتروها به فى زعمهم حيث يعتقدون أنهم بما فعلوا خلصوها من العقاب ويأباه أنه لابد أن يكون المذموم ما كان حاصلا لهم لا ما كان زائلا عنهم والمخصوص بالذم قوله تعالى (أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ) أى بالكتاب المصدق لما معهم بعد الوقوف على حقيقته وتبديل الإنزال بالمجىء للإيذان بعلو شأنه الموجب للإيمان به (بَغْياً) حسدا وطلبا لما ليس لهم وهو علة لأن يكفروا حتما دون اشتروا لما قيل من الفصل بما هو أجنبى بالنسبة إليه وإن لم يكن أجنبيا بالنسبة إلى فعل الذم وفاعله ولأن البغى مما لا تعلق له بعنوان البيع قطعا لا سيما وهو معلل بما سيأتى من تنزيل الله تعالى من فضله على من يشاؤه وإنما الذى بينه وبينه علاقة هو كفرهم بما أنزل الله والمعنى بئس شيئا باعوا به أنفسهم كفرهم المعلل بالبغى الكائن لأجل (أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) الذى هو الوحى (عَلى مَنْ يَشاءُ) أى يشاؤه ويصطفيه (مِنْ عِبادِهِ) المستأهلين لتحمل أعباء الرسالة ومآله تعليل كفرهم بالمنزل بحسدهم للمنزل عليه وإيثار صيغة التفعيل ههنا للإيذان بتجدد بغيهم حسب تجدد الإنزال وتكثره حسب تكثره (فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ) أى رجعوا ملتبسين بغضب كائن على غضب مستحقين له حسب ما اقترفوا من كفر على كفر فإنهم كفروا بنبى الحق وبغوا عليه وقيل كفروا بمحمد عليه الصلاة والسلام بعد عيسى وقيل بعد قولهم عزير ابن الله وقولهم يد الله مغلولة وغير ذلك من فنون كفرهم (وَلِلْكافِرِينَ) أى لهم والإظهار فى موقع الإضمار للإشعار بعلية كفرهم لما حاق بهم (عَذابٌ مُهِينٌ) يراد به إهانتهم وإذ لا لهم لما أن كفرهم بما أنزل الله تعالى كان مبنيا على الحسد المبنى على طمع المنزول عليهم وادعاء الفضل على الناس والاستهانة بمن أنزل عليه عليهالسلام (وَإِذا قِيلَ) من جانب المؤمنين (لَهُمْ) أى لليهود وتقديم الجار والمجرور قد مر وجهه لا سيما فى لام التبليغ (آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ) من الكتب الإلهية جميعا والمراد به الأمر بالإيمان بالقرآن لكن سلك مسلك التعميم إيذانا بتحتم الامتثال من حيث مشاركته لما آمنوا به فيما فى حيز الصلة وموافقته له فى المضمون وتنبيها على أن الإيمان بما عداه من غير إيمان به ليس بإيمان بما أنزل الله (قالُوا نُؤْمِنُ) أى نستمر على الإيمان (بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا) يعنون به التوراة وما نزل على