(وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(١٠٩)
____________________________________
الرسول صلىاللهعليهوسلم حتى يشبه بمسئولية موسى عليهالسلام فلعله أريد التشبيه فيهما معا ولكنه أوجز النظم فذكر فى جانب المشبه السائلية وفى جانب المشبه به المسئولية واكتفى بما ذكر فى كل موضع عما ترك فى الموضع الآخر كما ذكر فى قوله تعالى (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ) وقد جوز أن تكون ما موصولة على أن العائد محذوف أى كالسؤال الذى سئله موسى عليهالسلام وقوله تعالى (مِنْ قَبْلُ) متعلق بسئل جىء به للتأكيد وقرىء سيل بالياء وكسر السين وبتسهيل الهمزة بين بين (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ) أى يختره ويأخذه لنفسه (بِالْإِيمانِ) بمقابلته بدلا منه وقرىء ومن يبدل من أبدل وكان مقتضى الظاهر أن يقال ومن يفعل ذلك أى السؤال المذكور أو إرادته وحاصله ومن يترك الثقة بالآيات البينة المنزلة بحسب المصالح التى من جملتها الآيات الناسخة التى هى خير محض وحق بحت واقترح غيرها (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) أى عدل وجار من حيث لا يدرى عن الطريق المستقيم الموصل إلى معالم الحق والهدى وتاه فى تيه الهوى وتردى فى مهاوى الردى وإنما أوثر على ذلك ما عليه النظم الكريم للتصريح من أول الأمر بأنه كفر وارتداد وأن كونه كذلك أمر واضح غنى عن الإخبار به بأن يقال ومن يفعل ذلك يكفر حقيق بأن يعد من المسلمات ويجعل مقدما للشرطية روما للمبالغة فى الزجر والإفراط فى الردع وسواء السبيل من باب إضافة الوصف إلى الموصوف لقصد المبالغة فى بيان قوة الاتصاف كأنه نفس السواء على منهاج حصول الصورة فى الصورة الحاصلة وقيل الخطاب لليهود حين سألوا أن ينزل الله عليهم كتابا من السماء وقيل للمشركين حين قالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا الخ فإضافة الرسول صلىاللهعليهوسلم إليهم على القولين باعتبار أنهم من أمة الدعوة ومعنى تبدل الكفر بالإيمان وهم بمعزل من الإيمان ترك صرف قدرتهم إليه مع تمكنهم من ذلك وإيثارهم للكفر عليه (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) هم رهط من أحبار اليهود. روى أن فنحاص بن عازوراء وزيد بن قيس ونفرا من اليهود قالوا لحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر رضى الله عنهما بعد وقعة أحد ألم تروا ما أصابكم ولو كنتم على الحق ما هزمتم فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم وأفضل ونحن أهدى منكم سبيلا فقال عمار كيف نقض العهد فيكم قالوا شديد قال فإنى عاهدت أن لا أكفر بمحمد عليه الصلاة والسلام ما عشت فقالت اليهود أما هذا فقد صبأ وقال حذيفة أما أنا فقد رضيت بالله ربا وبمحمد نبيا وبالإسلام دينا وبالقرآن إماما وبالكعبة قبله وبالمؤمنين إخوانا ثم أتيا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأخبراه فقال أصبتما خيرا وأفلحتما فنزلت (لَوْ يَرُدُّونَكُمْ) حكاية لودادتهم ولو فى معنى التمنى وصيغة الغيبة كما فى قوله حلف ليفعلن وقيل هى بمنزلة أن الناصبة فلا يكون لها جواب وينسبك منها ومما بعدها مصدر يقع مفعولا لودوا التقدير ودوا ردكم وقيل هى على حقيقتها وجوابها محذوف تقديره لو يردونكم كفارا لسروا بذلك و (مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ)