(بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(١١٢)
____________________________________
والتحريف على وجهها بل أنفسهم على ما هم عليه لأنهم إنما يقولونه لإضلال المؤمنين وردهم إلى الكفر والهود جمع هائد كعوذ جمع عائذ وبزل جمع بازل والإفراد فى كان باعتبار لفظ من والجمع فى خبره باعتبار معناه وقرىء إلا من كان يهوديا أو نصرانيا (تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ) الأمانى جميع أمنية وهى ما يتمنى كالأعجوبة والأضحوكة والجملة معترضة مبنية لبطلان ما قالوا وتلك إشارة إليه والجمع باعتبار صدوره عن الجميع وقيل فيه حذف مضاف أى أمثال تلك الأمنية أمانيهم وقيل تلك إشارة إليه وإلى ما قبله من أن لا ينزل على المؤمنين خير من ربهم وأن يردهم كفارا ويرده قوله تعالى (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فإنهما ليسا مما يطلب له البرهان ولا مما يحتمل الصدق والكذب قيل هاتوا أصله آتوا قلبت الهمزة هاء أى أحضروا حجتكم على اختصاصكم بدخول الجنة إن كنتم صادقين فى دعواكم. هذا ما يقتضيه المقام بحسب النظر الجليل والذى يستدعيه إعجاز التنزيل أن يحمل الأمر التبكيتى على طلب البرهان على أصل الدخول الذى يتضمنه دعوى الاختصاص به فإن قوله تعالى (بَلى) الخ إثبات من جهته تعالى لما نفوه مستلزم لنفى ما أثبتوه وإذ ليس الثابت به مجرد دخول غيرهم الجنة ولو معهم ليكون المنفى مجرد اختصاصهم به مع بقاء أصل الدخول على حاله بل هو اختصاص غيرهم بالدخول كما ستعرفه بإذن الله تعالى ظهر أن المنفى أصل دخولهم ومن ضرورته أن يكون هو الذى كلفوا إقامة البرهان عليه لا اختصاصهم به ليتحد مورد الإثبات والنفى وإنما عدل عن إبطال صريح ما ادعوه وسلك هذا المسك إبانة لغاية حرمانهم مما علقوا به أطماعهم وإظهارا لكمال عجزهم عن إثبات مدعاهم لأن حرمانهم من الاختصاص بالدخول وعجزهم عن إقامة البرهان عليه لا يقتضيان حرمانهم من أصل الدخول وعجزهم عن إثباته وأما نفس الدخول فحيث ثبت حرمانهم منه وعجزهم عن إثباته فهم من الاختصاص به أبعد وعن إثباته أعجز وإنما الفائز به من انتظمه قوله سبحانه (مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) أى أخلص نفسه له تعالى لا يشرك به شيئا عبر عنها بالوجه لأنه أشرف الأعضاء ومجمع المشاعر وموضع السجود ومظهر آثار الخضوع الذى هو من أخص خصائص الإخلاص أو توجهه وقصده بحبث لا يلوى عزيمته إلى شىء غيره (وَهُوَ مُحْسِنٌ) حال من ضمير أسلم أى والحال أنه محسن فى جميع أعماله التى من جملتها الإسلام المذكور وحقيقة الإحسان الإتيان بالعمل على الوجه اللائق وهو حسنه الوصفى التابع لحسنه الذاتى وقد فسره صلىاللهعليهوسلم بقوله أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك (فَلَهُ أَجْرُهُ) الذى وعده له على عمله وهو عبارة عن دخول الجنة أو عما يدخل هو فيه دخولا أوليا وأياما كان فتصويره بصورة الأجر للإيذان بقوة ارتباطه بالعمل واستحالة نيله بدونه وقوله تعالى (عِنْدَ رَبِّهِ) حال من أجره والعامل فيه معنى الاستقرار فى الظرف والعندية للتشريف ووضع اسم الرب مضافا إلى ضمير من أسلم موضع ضمير الجلالة لإظهار مزيد اللطف به وتقرير مضمون الجملة أى فله أجره